هذا الدربي الجديد يسوده صمت مطبق، وطموحات مبعثرة وآمال مشتتة، وتنهدات تتلاحق في صدور مثقلة بالهموم، حيث تذوب النفس في آهات وهواجس الأمجاد والذكريات. قمة الشرقية الجديدة، اعتبرها البعض قمة الأسف، واعتبرها البعض الآخر قمة العبرة والعودة، إنها أول لقاء تاريخي وقمة مبكرة تجمع القادسية والاتفاق في دوري الدرجة الاولى (ركاء) وجماهير الناديين تدور في حلقة مفرغة تنتظر اللحظة السانحة لتروي عطشها، مع أن لقاء الليلة لا يفرح القلوب وسط الأجواء الملبدة والضغوط التي غلفها الحزن والألم بعد سقوط الفريقين إلى دوري الاولى، بعد أن كانا على مدى سنوات طويلة من أبرز فرسان الدوري السعودي الممتاز، ولهما تاريخ مجيد ومشرق في بطولات الدوري والكؤوس. لقد عودنا فارسا الدمام والخبر على مواجهات نارية طاحنة في جغرافيا كرة القدم السعودية المحلية على مدى سنوات طويلة ما زال طعم هذه المنازلات في الفم، لكن بعد سقوط القادسية وقبله النهضة كُسر ضلعان اساسيان في مثلث صراع أقطاب المنطقة الشرقية، وبات كل فريق يبحث عن ذاته مثل الطفل الذي يركض وراء خياله يريد الامساك به ويفشل على الدوام، ولما طال المسار المظلم للنهضة والقادسية في دوري المظالم بقي الاتفاق يسبح يتيماً وحده في الممتاز على مدى 38 سنة متتالية؛ لتأتي الصدمة الأقسى والأشد والأمّر في الموسم الماضي، ويسقط الاتفاق ويترجل فارس الدهناء عن صهوة جواد الممتاز، وهذا السقوط حرق الأعصاب، وأتلف المشاعر، وأدخل جماهيره في الهم والغم، ليلحق بركب مثلث الشرقية، ولا تزال الأحلام الوردية ساكنة في الأذهان والوجدان والقلوب. واعتقد أن دربي الشرقية بثوبه الجديد الليلة يكتنفه الغموض بظروفه ومعطياته وخصوصيته الشديدة والفائز سيأخذ جرعة قوية لمواصلة المسير، وخسارة أحدهما أمام الآخر لا اعتقد انتهاء لفرصته وحظوظه، فمشوار دوري ركاء ما زال في بدايته وخاصة أن كليهما في ترتيب متقدم، ويقيني أن رواسب سقوط الاتفاق أُزيلت، وتم تنظيف الانقاض والركام، والبدء في إعادة الاعمار، والشيء الايجابي في مباراة الجارين الحماس والشجاعة والاندفاع والاشتياق لهذا اللقاء الذي افتقدناه لسنوات طويلة، وما يثلج الصدور ويبهج القلوب تمسك الفريقين بحبال الأمل للعودة السريعة لدوري جميل، فالإرادة الصلبة، وجبروت العزيمة، ينسجان ثوب الابداع والعطاء والتفوق. وأخيراً لا بد من الاشارة إلى حرب التصريحات والتحديات والمكافآت التي اشتعلت وتفجرت مبكراً، وجرعات الشحن النفسي إذا زادت عن حدها ربما انقلبت ضدها، فالاندفاع والتسرع لن يورث غير الندم. وما نأمله في قمة الشرقية الليلة بين القادسية والاتفاق أن نستمتع بمستوى فني وتحكيمي رائعين، وأعتقد أن التعامل مع الفرص المتاحة ومدى نجاح كل فريق في بذل الجهد الأكثر سخاءً وندرة الأخطاء سيكون الفوز حليفه.