في العالم المجنون للسندات الحكومية، بعض الدول تحصل على المال مقابل امتياز اقتراض المال، في حين أن غيرها من الدول تعاني من الفصام لأن سلوك العوائد على السندات لا يمُت بصلة إلى قوة اقتصاد تلك البلدان. في مكان ما في هذه الفوضى التي تختلط فيها الأمور، قام مستثمرون للتو بعملية تداول تعتبر تلخيصاً لما سيحدث عندما تقوم البنوك المركزية بإزالة وظيفة اكتشاف السعر التي من المفترض أن تقدّمها الأسواق إلى المتداولين. أعلنت إسبانيا قبل بضعة أيام أنها قامت باقتراض مليار يورو (1.3 مليار دولار) في سوق السندات، وهي نقود لن تضطر إلى سدادها إلا بعد نصف قرن مقابل سعر فائدة يبلغ 4 في المائة فقط. هذا ليس خطأً مطبعياً: قامت إسبانيا، التي قيّمتها وكالة موديز لخدمة المستثمرين بمقدار ثمانية مستويات كاملة تحت التصنيف الائتماني الأعلى للسندات، الذي هو في العادة التصنيف الممتاز AAA، باقتراض أموال لمدة 50 عاماً بنسبة فائدة تبلغ 4 في المائة. في الوضع الحالي لأسعار وعوائد السندات، بإمكانك أن تجادل بأن ذلك تقريباً ضعف ما يستطيع المستثمر الحصول عليه مقابل إقراض إسبانيا لمدة عقد من الزمن بمستويات العائدات الحالية، وهو أفضل من تزويد فرنسا بالنقود لمدة عامين بدون مقابل (لأن سعر الفائدة هو صفر)، أو الدفع لألمانيا مقابل امتياز إقراضها لعام أو عامين. مع ذلك، منذ فترة ليست بالطويلة- أكثر من عامين قليلاً- عندما كانت إسبانيا تدفع تقريباً ضعف سعر الفائدة (التي تدفعها اليوم على السندات التي لأجل 50 عاماً) مقابل اقتراضها سندات لأجل 10 أعوام؛ حيث ارتفعت عوائد السندات المرجعية لأجل 10 أعوام لتصل إلى مستوى الذروة عند نسبة 7.5 في المائة في شهر تموز (يوليو) عام 2012، تماماً قبل قيام رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي بإنقاذ عالم السندات عن طريق التعهد بالقيام «بكل ما يلزم» لإنقاذ اليورو. عليك أن تُعجب بهذا السلوك الجريء من إسبانيا في مجال المالية العامة. من بين تعريفات قاموس أكسفورد لكلمة «انتهازية»، وجدت هذا التعريف الجميل: «فيما يتعلق بالجنس البشري: مناسبة بشكل خاص للأماكن غير المستغلة أو التي تم تشكيلها حديثاً» و»تتميّز بقدرة ضعيفة على التنافس مقارنة مع الأنواع الحية الأخرى». هذا يبدو كأنه صدى بيئي جيد لعالم السندات في الوقت الحالي؛ حيث السلامة المالية العامة لأحد البلدان ليست لها علاقة تذكر بمقدار العائدات التي يطلبها المستثمرون مقابل شراء سنداتها، كما أن أموال البنك المركزي الرخيصة عملت على تشويه البيئة السوقية بحيث حوَّلتها إلى شيء غير مألوف- وهو شكل سخي بشكل مُقلق للبلدان التي على شاكلة إسبانيا. عندما يكون بإمكانك اقتراض الأموال لمدة طويلة وبثمن بخس، أين هي حوافزك لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية؟ أين هم حرّاس السندات عندما تحتاجهم؟