اليوم عندما نتحدث عن الابتعاث فنحن نتحدث عن كيان له هويته الثقافية والمعرفية وليس مجرد مشروع او برنامج محدود، لأنه يثري المعرفة وينوع مصادر تلقي المعلومات ويقدم المعلومة المباشرة عن ثقافات الشعوب ودينيمات حياتهم ومراحل تطورهم ونموهم. وليس بالضرورة أن نتمسك بالاختصاص لربطه مثل هذا المشروع الوطني العملاق بجهة اختصاصية معينة كوزارة التعليم العالي كونها الوزارة المعنية بالتعليم العالي، فالنظرة هنا لهذا المشروع يجب أن تتجه نحو الأهداف المباشرة وغير المباشرة له، وجميع المشاريع العملاقة الضخمة عادة ما تخضع للمراجعات بعد أن تتحقق أهدافها وذلك للمزيد من تطويرها وإعادة هيكلتها ولضمان استمراريتها وتنوع فوائدها. برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث يجب أن يكون اليوم مؤسسة مستقلة ذات شخصية اعتبارية وميزانية مستقلة وأيضا نظام وكادر إداري يتناسب مع أهدافها وطموحاتها كمؤسسة فعندما تكون هيئة شبه حكومية تعنى بالابتعاث الداخلي والخارجي نستطيع أن نجعلها مؤسسة تضمن مستوى متقدما من الجودة في عملية الابتعاث وتوفر القنوات والتمويل والمؤسسات الاكاديمية المناسبة التي تستوعب الأعداد المتقدمة والمرشحة للابتعاث سواء من القطاع الحكومي او الخاص إلى جانب غير المنتمين لأي جهاز، وفي نفس الوقت نستطيع الوصول من خلال توحيد الجهود تلك في جهاز واحد ان نخرج باستراتيجية عامة للدولة في مجال تنمية وتطوير القوى البشرية وتغطية احتياجات السوق المحلية سواء حكومية او خاصة او مستقلة. اليوم عندما تكون هناك هيئة مستقلة للابتعاث هذا لا يعني فشل الواضع الراهن ولكن نحن نتكلم عن تطوير وتقنين عمليات واهداف الابتعاث، فاليوم هناك اكثر من برنامج للابتعاث وكل برنامج له أهدافه وأولوياته فالجهاز الحكومي يبتعث والجامعات تبتعث والافراد يبتعثون اولادهم على حسابهم والشركات تبتعث وأخيرا برنامج خادم الحرمين يبتعث، وجميعها تمول من ميزانية الدولة ما عدا القطاع الخاص والافراد، وفي آخر المطاف ستكون مخرجات الابتعاث سواء داخليا او خارجيا موجهة لسوق العمل السعودي وعلى نفس الخط نجد أن كل جهاز حكومي وخاص والجامعات ووزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية لديها خطط استراتيجية للقوى العاملة ابتداء من التوظيف الى التأهيل ثم التدريب وأيضا الجامعات القديمة والناشئة لديها طموحات وآمال ومشاريع حالية ومستقبلية لا تعد ولا تحصى في مجال تأهيل البشر وتطويرهم تم ضخهم في سوق العمل، وكل هذه المجهودات المتفرقة والمتناثرة سترهق البلد فكريا واجتماعيا ومهنيا واقتصاديا وقد تخلق نوعا من البطالة الوهمية او البطالة غير الحقيقية للقوى العاملة المؤهلة اكاديميا.. أي الافراد الحاصلين على شهادات جامعية وما فوق، وبالتالي سنجد أنفسنا امام مشكلات متزايدة في مجالات عدة ابتداء من معدلات البطالة وفجوة ما بين مخرجات الابتعاث والتعليم الجامعي وسوق العمل. وإذا كنا نريد أيضا الخروج من الإطار التقليدي المبني على ضمان الدولة للوظيفة لكل أفراد المجتمع فسنصطدم بالطاقة الاستيعابية أولا لقطاعات الدولة لاستيعاب جميع الخريجين مهما كانت تخصصاتهم، فالمبتعث اليوم يقول «لماذا تبتعثوني اذا ما عندكم وظيفة لي»... وعلى مستوى آخر سنصطدم بموضوع توجه الدولة نحو الخصخصة وعدم تضخم الجهاز الحكومي وتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة واستقلاليتها. المواطن بعمله الخاص.. وعلى ضوء ذلك فإن وجود هيئة معنية بالابتعاث سيكون امامها مساحة كبيرة من طرح الكثير من المنتجات تجاه المبتعثين ابتداء من انخراطهم في المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومن خلال ايجاد شراكات واتفاقيات مع الصناديق المعنية بتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة ليكون هناك منظومة متكاملة من التأهيل والتمويل والمشروع الخاص. ناهيك عما يمكن أن تؤسس له من شركات تكاملية ما بين مؤسسات التمويل لتوظيف مخرجات الابتعاث في أنشطة انتاجية وطنية متنوعة تضمن دخلا مضمونا للخريج وتفتح امامه فرصا متنوعة وبدائل لأن يكون إنسانا منتجا. المهم الافكار والمشاريع التي يمكن ان تقوم بها الهيئة المستقلة للابتعاث كثيرة من الصعب سردها في هذه المقالة لأننا نتكلم عن مشروع تنموي بشري وفكري وثقافي واقتصادي ضخم.