وجّه متخصصون بالاقتصاد والشريعة الإسلامية انتقادات حادة إلى ما وصفوها بظاهرة «سيطرة الفتوى الضعيفة» مشيرين إلى أن الظاهرة تنتشر على نطاق واسع في عالم المصارف الإسلامية وهي بحاجة إلى ضبطها عبر توسيع دور المصارف المركزية، وكذلك في كيفية عمل المصارف الإسلامية في الدول التي لا يشكل المسلمون إلا أقلية بين سكانها. وقال أنس الزرقا الباحث الإسلامي المعروف والمتخصص في قضايا الاقتصاد والتمويل الإسلامي: إن المتأمل في تعدد المصارف الإسلامية في البلد الواحد وفي البلاد المختلفة -وهو تعدد مرغوب ومحمود شرعًا واقتصادًا اجتنابًا لمحاذير الاحتكار- وتبعًا لذلك تعدد الهيئات الشرعية ذات الاجتهادات المنفردة يرى تلك الظاهرة بوضوح. ويتابع شارحًا: «عندما تسمح هيئة منفردة بصيغة تمويلية فيها ترخص مفرط، فإنها كثيرًا ما تجذب العملاء من المصارف غير المترخصة، مما يولد ضغطًا تجاريًا قويًا على هذه المصارف أو يهددها بالخسارة إن لم تجار المترخصين، كما يولد ضغطًا نفسيًا على هيئتها الشرعية بأنها تتسبب في تراجع نشاط المؤسسة أو خروجها من السوق إن لم تتبع الفتوى المترخصة، وتنحدر السوق كلها نحو أدنى المستويات الفقهية». ورأى الزرقا أن من بين أبرز الأمثلة العملية على ذلك التسلسل التاريخي ما حصل في مسألة التورق قائلًا: «أجاز المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الاسلامي التورق الفردي، فوسعته الصناعة بسرعة إلى تورق منظم، ارتضاه بعض الفقهاء ورفضه بعضهم، فالمعارضون اضطروا إلى مجارات الموافقين، وصار التورق شائعًا». وتابع القول: «ثم انحدر التورق المنظم إلى عينة ثلاثية (تمر فيها السلعة من المشتري الأول إلى ثان أو ثالث قبل أن تعود إلى بائعها الأصلي) وهي واقعة وشائعة عمليًا رغم معارضة المعارضين، ثم تدحرجت السوق إلى حضيض داهية الدواهي وهي قلب الدين، أو فسخ الدين بالدين، الذي هو أقرب الحيل إلى ربا الجاهلية الذي نزل القرآن العظيم بتحريمه:. ولفت الزرقا إلى أن إصلاح مسيرة الفتاوى المالية ووقف «تدحرجها إلى الحضيض» على حد قوله «لا يمكن أن يتحقق بمبادرة ذاتية من أي هيئة شرعية منفردة، فلا بد من «فرض الإصلاح ممن له سلطة إلزام الجميع بفتوى صحيحة، وهو البنك المركزي». في الصعيد نفسه حاول المتخصص في الصيرفة الإسلامية فيصل صالح المدير التنفيذي السابق لمصرف «أمانة» الإسلامي في سيريلانكا تقديم مقاربة حول تلك التحديات، في بحث قدمه للمؤتمر الآسيوي الخامس حول المصرفية الإسلامية بماليزيا قبل أيام، حيث قدم رؤيته لكيفية عمل المصارف الإسلامية في الدول التي لا يشكل المسلمون إلا أقلية بين سكانها، فقال: إن نشاطها ينقسم إلى مرحلتين، في الأول يصار إلى تأسيس الهوية المستقلة للمصرف وميدان عمله، أما الثانية فهي مرحلة النمو والديمومة. وبحسب صالح فإن المرحلة الأولى تقتضي إجراء التقييمات الصحيحة للسوق واختيار النموذج الأفضل سواء عبر مصرف مستقل أو عبر نافذة إسلامية في مصرف تقليدي، وتقدير القيمة المتوقعة بحسب الأوضاع في الأسواق المحلية والدولية. وتشمل المرحلة الأولى أيضًا دراسة الأطر القانونية التي تسمح للمصارف الإسلامية بالعمل في الدولة غير الإسلامية الموجودة فيها، وفهم «البيئة الاجتماعية والسياسية» القائمة. إلى جانب ضرورة تحديد الخطاب المراد توجيه وما إذا كان سيقتصر على المسلمين لاجتذابهم في تلك الدول أم أنه سيخاطب كافة فئات المجتمع تحت شعار «العمل المصرفي للجميع». وحول المرحلة الثانية، والتي تشكل الديمومة والنمو أبرز تحدياتها يقول صالح: إن في مقدمة المشاكل ضمان وجود يد عاملة لديها خبرة في الجانبين الإسلامي والمصرفي، وهو أمر صعب حتى في الدول التي يشكل المسلمون غالبية سكانها، إلى جانب وضع أسس محاسبية وقانونية تنسجم مع القوانين السائدة ومع الشريعة كذلك. وتشكل المنتجات المصرفية التحدي الأبرز للمصارف الإسلامية بالدول التي تعيش فيها أقليات إسلامية، إذ يجب طرح منتجات متوافقة مع الشريعة وقادرة في الوقت نفسه على منافسة المنتجات المقدمة من المصارف التقليدية والبحث عن طرق لإدارة السيولة. ويلفت صالح أيضًا إلى مشكلة العدد المحدود لرجال الدين الذين يمكنهم شغل مناصب في الهيئات الشرعية للمصارف الإسلامية، معتبرًا أن وجودهم بمجالس أكثر من مصرف يطرح إشكاليات تتعلق بتضارب المصالح والمخاطر المرتبطة بها.