ذكرت في مقال سابق «ربيع بغداد وأطياف الصراع» عن التطورات الاخيرة في العراق، عقب سيطرة مسلحي تنظيم (داعش) على مناطق واسعة من شمالي ووسط العراق كمحافظة الانبار، ومحافظة صلاح الدين، والموصل ثاني اكبر المدن العراقية وبقية محافظة نينوى منذ أسابيع. وقلت انه بالرغم من الدور الذي تقوم به داعش في الاحداث الاخيرة وهي رقم مهم وصعب لا يمكن تجاهله الا انها ليست الا فصيلا واحدا من فصائل عدة شاركت بدرجة لافتة في التنسيق والهجوم على قوات الحكومة، ثم تحدثت عن باقي التنظيمات المشاركة بدرجة او بأخرى في الاحداث الاخيرة ك«المجلس العسكري لعشائر العراق» و«الجيش الاسلامي» وتنظيم «أنصار الاسلام» وغيرها من التنظيمات. وذكرت كذلك ان هذا التفاعل على الساحة العراقية اليوم يمكن ان يشكل في مجمله دينامية جديدة سيكون لها انعكاساتها الامنية الجيوستراتيجية والجيوبوليتيكية على الجوار العراقي وخاصة دول الخليج العربي. وما سأحاوله في هذا المقال هو الوقوف على اربعة تطورات سياسية بدأت تتشكل في المشهد العراقي بشكل عام وهي بروز العامل السنى، فالتنظيمات التي تشارك في العمليات داخل العراق من «المجلس العسكري لعشائر العراق» مرورا بتنظيم الشيخ أحمد الدباش او ما عرف ب «الجيش الاسلامي» وجماعة الملا كريكار او ما تعرف بتنظيم «أنصار الاسلام» وغيرها من التنظيمات وانتهاء بداعش هي تحركات من العرب السنة في العراق نتيجة سياسات المحاصصة الطائفية، وسياسات التهميش والإقصاء والفساد السياسي التي انتهجها المالكي بشكل واضح في ادارة البلاد. فرغم أنها لم تكن المرة الأولى التى تشهد فيها العراق احتجاجات سنية حادة، اذ انفجرت في منتصف ديسمبر 2012، احتجاجات ممتدة وواسعة النطاق أدت إلى تفجر «المسألة السنية» على الساحة العراقية. هناك كذلك ترهل «التحالف الشيعي» المسيطر فى العراق، فقد أدت التطورات الداخلية الأخيرة إلى حالة من الارتباك الواضح داخل التحالف الشيعى المسيطر فى العراق، بطريقة تشير إلى «خطوط انقسام محتملة». فقد استخدم المالكى كل الأساليب التقليدية فى التعامل مع الاحتجاجات الاخيرة، كالتنصل من المسئولية وتحميلها لجهات أخرى خارجية، أو تشويه المتظاهرين بربطهم بمؤامرات إقليمية وبقايا النظام السابق وتنظيم القاعدة. وفي ظل إدراكه ان شرعيته قد اهتزت، استخدم المالكي قدرا من العنف لمنع المظاهرات من الوصول إلى بغداد. اضف الى ذلك تراكم الخلافات بين الحكومة المركزية والمنطقة الكردية، والتي تعتبر احد اهم المؤشرات حول الحالة الصحية للعراق في الوقت الحالي. فالخلاف بين بغداد واربيل لم يكن حديثا الا انه زاد بشكل ملحوظ بالاوانة الاخيرة بسبب «سياسات الاستعداء» التي اتبعها المالكي تجاه المنطقة الكردية، من خلال إرسال قيادة عمليات دجلة (التى تم تشكيلها في 3 يوليو 2012) إلى المناطق المتنازع عليها، ووقف رواتب ثلاثة أفواج كردية تابعة للفرقة 12، ومدرستي قلاجولان وزاخو التابعتين للجيش العراقى. وقد ردت القيادات الكردية على ذلك بتشكيل «قيادة قوات حمرين» من تشكيلات البيشمركة لمواجهة قيادة عمليات دجلة، وللتأكيد على أن حدود كردستان تمتد حتى جبال حمرين. واخيرا هناك عودة «تنظيم القاعدة» إلى النشاط فى العراق، فيبدو ان القاعدة تعود بقوة إلى العراق، فاستعراض وضع التنظيم في العراق خلال عام 2012، وبدايات 2014، يشير إلى سعي القاعدة لمد نفوذها إلى المناطق التي كانت تسيطر عليها سابقاً، فعلى الرغم من أن عدد الهجمات الكبرى التي استهدفت بغداد قد انخفض بنسبة 50% مقارنة بعام 2011، و2012 إلا أن الحجم الإجمالي لهجمات التنظيم قد زاد على مستوى الدولة العراقية، فقد شهدت نينوى زيادة في الهجمات بنسبة 31%، كما شهدت ديالى ارتفاعاً بنسبة 132%، والأنبار بنسبة 106%، كما زاد العنف في صلاح الدين بنسبة 89% وفي بابل بنسبة 56%، وذلك مقارنة بعامي 2011 و2012.