مدن عديدة لم تطأها أقدام «لويس نوا» العامل في مصنع النسيج في «انزارا» جنوب السودان، كما لم تحتضن أجواء تلك المدن أنفاسه المحملة بشذرات ذلك الفيروس القاتل، الذي عبر به من فراش رخيص للرذيلة في العاصمة كينشاسا في الكونغو أو زائير كما كانت تسمى، إلى حيث مدينته وتحديداً زوجته تينا بائعة الماء في شوارع المدينة، كان الفيروس إيبولا القاتل النهم الذي لا تهزه صحوة من ضمير للعفو عن مرضاه، يتمدد كما يشاء، تماماً كما يفعل طبيب الباطنية أمير تاج السر بخيال قراء روايته المعبرة "إيبولا 76 " التي نصب فيها المرض بطلاً للرواية إلى جانب حضور لويس نوا البطل المفترض، الذي حمل المرض عبر أنفاسه إلى أجساد المنهكين دون أن يموت في مدن تُعبر عن ذات الإنهاك والفقر في كل حالاتها ومكوناتها، لتعيش لذة خاصة مع المرض وفق السرد الساخر للروائي الطبيب، الذي قدم للقارئ عنواناً ساخراً هو الآخر من قدرات الطب والمختبرات العالمية، حين يطل مرض النزف الدموي من جديد على العالم بعد إطلالة فاشيته الأولى عام 1976م دون أن يكون لويس نوا هو البطل هذه المرة، في رواية لا تزال فصولها ونهاياتها مفتوحة أمام العالم بجموع أطبائه ومنظماته، التي لا نعرف هل هي تحاصر المرض أو تدعم حضوره ليوزع بطاقات الموت السريع على البشر. «إيبولا» الآن ينافس حضور «داعش» في نشرات الأخبار العالمية، التي تقض مضجع المتابعين بحالات جز الرؤوس المجانية في حماها الوهمي، وتشترك مع (إيبولا) في التقارير الإخبارية الهامة، وراياتها السود التي تمثل شعار الموت المخيف، بيد أن حمى النزف الدموي الذي تحاصره منظمة الصحة العالمية بجملة جهود افتراضية، تحوم حولها الشكوك العامة، خشية اختراق المنظمة من قبل تجار وصناع الأدوية في العالم، الذين يعبئون جيوبهم غالباً من صناعة الأمراض، أو تعميم الوهم منها تماماً مثل أقرانهم من تجار السلاح، الذين يجدون في اندلاع الحروب سوقاً لبضاعتهم الضخمة. فالعالم الآن يعيش حالات الخوف المنوع، التي تغذي أرصدة المتاجرين بدمائهم مرة بفعل الحروب ومرة عبر الفاشيات المرضية، التي تجد رواجاً عالمياً مؤثراً بسبب الإعلام الواسع واستنهاض جهود المواجهة الصحية في كل دول العالم، وليس ببعيد عنا تلك التقارير التي أصدرتها منظمة الصحة العالمية حول الخطأ في حجم التقدير لفاشية انفلونزا الخنازير، التي أشغلت العالم وأدخلته في دوامة المواجهة، حتى باعت مخازن الأدوية والمعقمات ما يعادل الميزانيات المجمعة لعدد من الدول، فكل ما نؤمله ألا نواجه الفاشية الجديدة لإيبولا بسخرية أمير تاج السر الذي وظف المرض للتعريف بالفقر وفوقية التسلط، كما في الرواية، ولا كما تجبرنا به تقارير منظمة الصحة العالمية من الوثوق التام في تقاريرها مستقلة أقصى درجات الاحتياط في التعامل مع ظروف الحالة. فالعالم يحتاج الموثوقية في التقارير والشفافية في التفاعل معها، مؤملين أن نصحو ذات يوم على تقارير تبشرنا بانحسار «إيبولا» ومعه «داعش»، ذلك الفيروس الانتهازي المجسد في فكر ثلة تمارس الكذب المركب ترويجاً لحضورها المقيت.