على الرغم من ان رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي تم اقصاؤه عن الرئاسة بتوافق امريكي ايراني، وذلك بعد رسالة موجهة له من قبل المرجع علي السيستاني رفعت عن المالكي الغطاء الشرعي والدعم الديني من المرجعية وبالتالي القوى الحزبية، فقد أرسل المرشد الايراني علي خامئني مستشاره لشؤون الامن القومي علي شمخاني، والذي ابلغ الكتل الطائفية بقرار طهران وضرورة اختيار شخصية بديلة عن المالكي، وجاء ذلك بعد اختيار محمد فؤاد معصوم رئيسا للجمهورية، وسليم الجبوري رئيسا لمجلس النواب، وحرص شمخاني على اللقاء بمسؤول الحزب الاسلامي اياد السامرائي. هذه المتغيرات والتي ساهمت سريعا بانهيار قلاع المالكي رغم التحذيرات الاعلامية، واستنفار قواه الامنية، وتهديداته للمحكمة الاتحادية، الا ان بعضا من العاملين في المنطقة الخضراء اكدوا ان رفض المالكي يحمل في داخله موافقة متضمنة مجموعة من المطالب والتي تتمثل بعدم ملاحقته ومساءلته قضائيا هو وعائلته، وعدم النظر بأي قضايا مرفوعه او ترفع ضد في جانب مالي او جنائي، ومع ذلك لم يحصل المالكي الا على وعود من القوى الشيعية، ومن ايران التي ابلغته امكانية استضافته وعائلته في ايران.ولعل من الاسباب الرئيسة التي سارعت بخروج المالكي من الحكم، رفض غالبية الكتل السياسية، ترشيح رئيس الوزاء العراقي لدورة ثالثة، وذلك بسبب سياساته الطائفية التي انعكست سلبا على العملية الامنية والسياسية، وايضا سياسة القبضة الامنية ذات البعد الطائفي والتي كانت عبارة عن مبررات لبقائه في السلطة، فباسم محاربة القاعدة والارهاب حاول نوري المالكي تجاوز المطالب العادلة لأهالي المحافظات السنية، وبعض المحافظات الجنوبية من الشيعة العرب، حيث كانت الاتهامات جاهزة مرة بالارهاب واخرى بالاجتثاث، حتى الشيوعيين في الجنوب العراقي، ورغم انهم حزب معترف به من ناحية قانونية الا ان خروجهم على المالكي دفعه الى اللجوء للجانب الديني وتكفيرهم، اضافة الى بعض مراجع الشيعة الذين رفضوا سياسة ولاية الفقيه وتسليم العراق الى ايران، والعمل على تأجيج الطائفية. ولعل فشل قوات جيش المالكي امام تنظيم دولة البغدادي، وسقوط عدة محافظات، وتسليمها الامكانات العسكرية للجيش دون اية مواجهة، كان هذا السقوط، محاولة ايرانية فاشلة، لتعزيز امكانات المالكي وتقوية التحالف الشيعي، خوفا على مصالحها في العراق والذي انتقل من نفوذ الى سيطرة على مؤسسات الدولة العراقية ومفاصلها الرئيسة، ولهذا كانت الرسائل والاشارات الايرانيةلواشنطن بأن وضع العراق يسمح بعقد تفاهمات ممكنة، خاصة وان الاستخبارات الامريكية وكافة الهيئات العسكرية كانت تشير الى ان فترة حكم نوري المالكي ساهمت في تعزيز الخلافات الداخلية كونها اقيمت على اساس طائفي فوجد المكون السني نفسه خارج اطار اللعبة في عملية اقصاء واضحة، وان هذا الاقصاء ساهم في توحيد المكون السني وبعض القوى والمرجعيات الشيعية للعمل بالضد من حكومة المالكي، واشارت هذه التقارير الى ان العراق كان على ابواب انتفاضة شعبية شاملة ستؤدي الى سقوط العملية السياسة، وعليه كانت داعش كمبرر للتدخل العسكري، وكان اقصاء نوري المالكي كحل وانفراجة تحول دون اسقاط العملية السياسية التي تعارضها واشنطنوطهران، وتشكيل حكومة جديد برئاسة حيدر العبادي. وعلى الرغم من ان تغيير المالكي كان ضرورة داخلية واقليمية، الا ان التغيير الحقيقي هو العمل على احداث توازن حقيقي في العملية السياسية تحول دون اقصاء او تهميش أي مكون سياسي، ولهذا حظي رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي بدعم داخلي واقليمي غير مسبوق ففي الايام الماضية خاض المالكي سباقا طويلا مع الزمن رغبة منه بتغيير قواعد اللعبة لصالحه، وظل متيقنا بأنه في المحطة الاخيرة يمكنه الاعتماد على قوته الامنية في فرض خياراته السياسة، ولهذا قام بمناورات ارهابية داخل حزب الدعوة، خاصة بعدما اتهمه حيدر العبادي صراحة بأنه يعمل على تدمير العراق، وانهاء العملية السياسية، الامر الذي دفع المالكي الى تجميد العبادي متهما اياه بالعصيان المدني على قررات الحزب، فيما اتهمه العبادي بتغليب مصلحته الشخصية على المصلحة الوطنية، فيما اتخذ المالكي قرارا بتوقيف العبادي الذي كان يشغل منصب رئيس المكتب السياسي في حزب الدعوة، لتعطي هذه الاجراءات حضورا قويا للعبادي، اكدت بأنه عقلية سياسية تفرق بين رئاسة الحزب ومتطلباته وبين رئاسة الوزراء ومتطلباته الوطنية. ولهذا فإن المعلومات تؤكد خروج المالكي رغم امكانته واوراقه على تعطيل عمل الحكومة الجديدة، الا ان التوافق الدولي والاقليمي سيحولان دون امكانية تدخله، خاصة وان بعض القوى تستعد للتقدم بشكاوى ضده وعدم منحه الحماية القانونية التي تحول دون محاكمته. وعليه كانت الاشارات والمعلومات الامريكية كافية لتسهيل مهمة العبادي، وتعزيز قدرتها على "تمثيل المصالح المشروعة لجميع العراقيين، وتوحيد البلاد لمحاربة (تنظيم) دولة البغدادي". كما حث وزير خارجيته جون كيري على تشكيل حكومة وحدة وطنية "بأسرع وقت ممكن" مؤكدا استعداد بلاده "لدعم حكومة عراقية جديدة تجمع كل الأطراف وخصوصا في قتالها مسلحي (تنظيم) دولة البغدادي". ولعل الموقف السعودي كان واضحا في طي صفحة الماضي الذي تمثل في رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي الذي ساهم في ابعاد العراق عن عمقه العربي، وجعله اداة بيد ايران، ضد المكون السني، ولهذا جاءت رسائل الترحيب السعودية الثلاث لرؤساء السلطات العراقية، رئاسة الجمهورية والبرلمان والوزراء، تعبيرا عن ان الرياض ترى بمغادرة المالكي زوال اي معوقات لتعزيز العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتعزيز التعاون الامني لتعزيز أمن واستقرار ووحدة العراق، حيث عملت حكومة المالكي على نقل مشكلاتها الداخلية الى دول الجوار واتهامها بدعم الارهاب. الترحيب السعودي يأتي ايضا في اطار جملة من المتغيرات الاقليمية وانكشاف الحقائق حول الدول التي تدعم الارهاب المنظم، وتدعم التوترات الطائفية، وتستغلها وتوظفها اعلاميا، وتدعم استمرار اراقة الدماء في سوريا وعدم الاستقرار الاقليمي، حيث يؤكد محللون ان الترحيب السعودي ينبئ عن ان التحفظات التي كانت تضعها المملكة على نوري المالكي تتعلق بسياساته الطائفية، وانه ليس لديها اية ممانعة من دعم الحكومة العراقية الجديدة، خاصة وان المملكة عملت سابقا على اخراج العراق من مشكلاته الداخلية بعد ان طرحت مبادرتها التاريخية للخروج من المحنة والازمة السياسة الا ان حكومة المالكي ولأسباب طائفية واقليمية لم تتعامل مع هذه المبادرة التي اثنت عليها غالبية القوى والكتل السياسة.الرياض ترى ان استقرار العراق استقرار للمنطقة، وهي مع دعم الدولة العراقية في مواجهة التحديات الامنية الداخلية بما يسهم في تعافي العراق من مشكلاته، وقد كانت تدرك مسبقا بأن السياسات الطائفية ستقود العراق الى الجحيم والفوضى وعدم الاستقرار، وان العراق كي يستعيد ما فقده عليه ان يتصالح داخليا وان تكون سياساته الخارجية انعكاسا لأمنه واستقراره الداخلي، وهذا لن يكون الا بعلاقات متوازنة مع الجميع.