في كثير من بلدان العالم، يعمل النفط على تشحيم الآليات السياسية بقدر ما يقوم بتشحيم عجلات التجارة. كما أنه مصدر اعتزاز وطني، ولا ينطبق هذه الكلام أكثر مما هو في أمريكا اللاتينية. مع ذلك حتى هوجو شافيز سمح للأجانب بضخ النفط من الحقول الفنزويلية، كما فعلت البرازيل منذ التسعينيات من القرن الماضي. في المكسيك، على أي حال، كان السؤال مشحوناً بعوامل عاطفية تفوق ما يحدث في البلدان الأخرى، لأن المعركة على الاستيلاء على موارد النفط والغاز من الشركات الأمريكية والبريطانية هي جزء عزيز من تاريخ البلاد. لذلك فقد رافق تصويت الكونجرس المكسيكي وأغلبية ولاياتها بالسماح للشركات الأجنبية بأن تتنافس في احتكار النفط من قبل الحكومة مشاعر متباينة، حيث اشتبكت المصالح الاقتصادية الذاتية مع الحماس الوطني. وهذا الانسلاخ عن الماضي من المتوقع أن يؤثر على ما هو أكثر من قطاع الطاقة. كثير من المراقبين يقارنونه مع توقيع اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية في عام 1994، وهي الخطوة التي أعادت تشكيل الاقتصاد والثقافة في البلاد. تحتل المكسيك مرتبة تاسع أكبر منتج للنفط في العالم، ولكن شركتها الوطنية للنفط، شركة بيميكس، تعاني من المتاعب. للسنة التاسعة على التوالي، كان إنتاج الخام في حالة تراجع حتى في الوقت الذي يشهد فيه طفرة في الولاياتالمتحدة وكندا. تضاؤل الإيرادات والأعباء الضريبية الثقيلة - في عام 2013 دفعت شركة بيميكس نحو 50 في المائة من إيراداتها الى الضرائب، وهو ما يمثل ثلث الميزانية الاتحادية، وقد ترك هذا الأمر شركة النفط الاحتكارية لا تملك إلا أموالاً محدودة لتحديث المعدات، ناهيك عن التقنيات الجديدة اللازمة لعصر النفط من الصخر الزيتي. ونتيجة لذلك، فقد غابت بيميكس عن طفرة النفط الصخري التي شهدتها منطقة شمال الحدود (في كل من الولاياتالمتحدة وكندا)، وكانت بطيئة في الحفر في المياه العميقة لخليج المكسيك، وهذا ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الطاقة ومخاوف الميزانية. نتيجة للشعور بالضغط من التكاليف، فإن الحزبين الرئيسيين، وهما PRI وPAN، استطاعا التوصل الى اتفاق على التعديلات الدستورية التي من شأنها أن تسمح للشركات الأجنبية بتطوير أكبر منطقة خام غير مستكشفة خارج الدائرة القطبية الشمالية. إن الشركات مثل شيفرون واكسون موبيل ستكون قادرة على ضخ النفط الخام من خلال التراخيص واتفاقيات تقاسم الإنتاج للمرة الأولى منذ عقود. في المقابل، سوف تشهد بيميكس انخفاض ضرائبها بمقدار يصل إلى 10 مليارات دولار سنوياً، كما أن الخطة تنهي احتكار الدولة على توزيع الكهرباء. موقعها المجاور لأقوى دولة في العالم جعل لدى المكسيك حساسية خاصة لقضايا السيادة. حين صادرت المسكيك في سنة 1938 الفروع المكسيكية من شركة رويال داتش شل، إلى جانب الشركة التي تعرف الآن باسم شيفرون، من قبل الرئيس لازارو كارديناس، فإن هذه العملية لا تزال تدرس في كتب التاريخ باعتبارها واحدة من ألمع اللحظات، وتميزت بالمراسم الرئاسية كل عام يوم 18 مارس. بيميكس واتحادها القوي كانوا هم اللاعبين السياسيين الرئيسيين، والشركة خدمت ولمدى طويل من الزمن مثل الحصالة التي توفر النقود للحزب PRI، الذي حكم المكسيك فيما يرقى إلى دولة الحزب الواحد لعدة عقود. إن رواتبها الضخمة بالمقارنة مع المنافسين هو علامة على مدى المحسوبية تجاهها. لكن الوضع الخاص لبيميكس يمثل تعارضاً مع بقية الاقتصاد الوطني والتي أصبح واحداً من أكثر الاقتصادات انفتاحاً، بعد أن تفاوض على اتفاقات التجارة الحرة في العالم مع 45 دولة. الرئيس انريكي بينا نييتو، من حزب PRI، وهو الحزب الذي انتعش بعد سقوطه من السلطة في عام 2000، يرى الآن السماح بدخول الشركات الخاصة كسبيل وحيدة لتسريع الإنتاج دون الحاجة لقيام الحكومة بتقديم مشروع القانون. أنصار فتح احتكارات النفط والغاز والكهرباء للمنافسة يقولون: إنه سيؤدي إلى اجتذاب استثمارات بقيمة 20 مليار دولار سنوياً من الاستثمارات الأجنبية وزيادة النمو الاقتصادي بنسبة 1٪ على الأقل كل عام. أما المعارضون، بقيادة المرشح الرئاسي السابق أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، فإنهم يقولون: إن السماح للأجانب ومحاولة الحفر عن النفط يعد انتهاكاً للسيادة الوطنية وسيؤدي إلى الفساد وفقدان السيطرة على عائدات النفط التي يمكن استخدامها لتطوير اقتصاد وطني أكثر حداثة. وهم يقولون: إن المكسيك يمكن أن تستفيد بشكل أفضل، من خلال تقليل العبء الضريبي على شركة بيميكس، وزيادة الشفافية ومهاجمة الفساد المستمر، بيميكس فوتت إنتاج أكثر من 32 مليون برميل من النفط هذا العام، وهي كمية من النفط تبلغ قيمتها نحو 3 مليارات دولار. هذا النوع من حالات الفشل يبرز التعارض مع شركة مثل أرامكو السعودية، التي تعتبر مثالاً على الاحتكار الناجح للدولة. لكن أعضاء من فريق بينا نييتو يعارضون قائلين إن أيام نفط المكسيك السهل الوصول إليه قد ولت، وأن مستقبل الأمة كبلد منتج للنفط يعتمد على التكنولوجيا والخبرة الفنية، والتي تعتبر الشركات الخاصة هي في أفضل وضع لتقديمها، لكن من أجل تخفيف الوقع المترتب على التغيير، فقد أكد لعمال بيميكس أنه لن يفقد أحد منهم وظيفته.