استقبل السعوديون عيدهم المبارك بفرحة منقوصة، فمازالت صواوين العزاء لشهداء الوطن منصوبة، وأنات المصابين وتأوهاتهم من داخل مستشفياتنا مسموعة، وغمامة التفجيرات الارهابية عالقة لم تنقشع بعد من سماء شرورة، وفوارغ الرصاص متناثرة في شوارع تفوح منها رائحة الدم المسفوك، لتبقى شاهدة على جريمة اعتداء نكراء هزت وجدان كل مسلم وعمت مأساتها أرجاء الوطن، كانت حادثة شروره مؤلمة جدا وضاعف الألم أنها طعنة مسمومة بيد أبنائنا المأجورين، الذين تعمدوا توقيت جريمتهم في أفضل الأزمنة وفي خير يوم طلعت فيه الشمس، فشر الخلق والخليقة ليس في عُرفهم حرمة زمان ولا مكان ولا دم معصوم وهذا دليل إجرام متأصل في نفوس خبيثة!! حادث شرورة الإجرامي رغم بشاعته إلا أنه كان نقطة التقاء لمشاعر وتعاطف وتكاتف جميع السعوديين، فأصحاب المبادئ والعقيدة الواحدة استشعروا مسؤوليتهم الدينية وواجبهم الوطني والأخلاقي والتفوا حول وطن يعيش بداخلهم يتقاسمون افراحه واتراحه، فما يؤلم جنوبه يصرخ له شماله وتتداعى له سائر اركانه بالحزن والاسي، تجلى ذلك في غضبة شعبية اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي شاجبة ومستنكرة في تفاعل ينساق بطريقة عفوية وبأسلوب فطري مدفوع بصدق الولاء والانتماء فيه توحيد للصف والاتجاه وتوصيل رسالة مهمة ملخصها، أن أمن الوطن وسلامته خط أحمر وأن الفكر الضال مرفوض والمنهج المنحرف سيبقى منبوذا، وإرهابكم لا يزيدنا إلا تلاحما واصطفافا خلف قيادتنا بالتأييد المطلق والمساندة الدائمة ضد الفكر الإجرامي!! في خضم هذا التلاحم الوطني استوقفني خبر استجواب وزارة الشؤون الإسلامية ل17 خطيبا وفي رواية أخري تجاوز الرقم 100 خطيب، هؤلاء تجاهلوا توجيهات الوزارة بإدانة وتجريم الهجوم، ولك أن تضع هنا ما تستطيع من علامات الاستفهام والتعجب، خبرٌ بالتأكيد مزعج لم يفاجئني في ظل انتشار (فايروس خرس الشياطين)، الذي ألجم ألسن كثيرة وثلم كثير من الأقلام التي لم ترفع رأسا بدم جنودنا ولا بأمن وطننا، فلا تكاد ترى كلمة ادانة واحدة في الحسابات المليونية، التي لطالما تنادى أصحابها مصبحين وممسين مفتعلين الضجيج خدمة لقضايا حزبية جانبية ضيقة، وللأسف في محنة الوطن العصيبة اختفت الحماسة بصورة مريبة وساد الصمت الرهيب وعزّ الكلام في حق جنودنا وفي حق قضية دينية ووطنية وأخلاقية، وإنني لأتساءل إن لم تكن رسالة المنبر موجهة لتوعية المجتمع ومنددة بالإرهاب وخطره فما هي رسالته ودوره اذا، وهل يحتاج الخطيب لتوجيه وتنبيه حتى يدين عملا ارهابيا اجراميا متفقا عليه، إذا لم يكن الأمن الفكري والوطني والعقدي من أولويات أولئك الخطباء والدعاة، فيا ترى متى سيكون هذا من ضمن اهتماماتهم، إن لم تكن جريمة شرورة ومصيبة الوطن حاضرة بكل أبعادها في وجدان وعقل كل خطيب وداعية فمتى تكون حاضرة؟؟ لعلنا نجد الأجوبة في استجواب الوزارة الذي اراه خطوة في المسار الصحيح لتتحقق هي ونطمئن نحن من كفاءة واحقية من يعتلي منابرنا!! لا يمكن أن يقنعنا احد بتصريح إعلامي عابر كلماته فضفاضة وعناوينه مستهلكة زاعما أنه أدان وحارب الإرهاب، فهذا الأسلوب ليس الا استثمارا للحدث والدماء من باب التسويق الإعلامي ومزيد من التمويه، ان كنا صادقين في مزاعمنا وادعاءاتنا بمحاربة الإرهاب، فلا بد أن تترجم الأقوال لأفعال بارزة تحارب الإرهاب بجدية وفاعلية لها منهجية صريحة ومؤثرة، عن طريق ورشة عمل ينتدبون أنفسهم لها تتنوع ما بين مؤلفات تنشر ودروس وخطب ومحاضرات متواصلة، من هذا رصيده من قبل وبعد فهو المحارب للإرهاب، ما عدا ذلك تبقى المحاربة مجرد كلام في خانة الادعاء، فالمملكة تقود جهدا كبيرا في محاربة الإرهاب وقد نجحت بالضربات الاستباقية في تفكيك جزيئاته والقضاء على رموزه وعناصره وجففت منابعه المالية، هذا الجهد الأمني يجب أن يوازيه بنفس الحجم جهد فكري، وهذا منوط بالمنابر الدينية والإعلامية التي مازالت قاصرة عن مواكبتها للمحاربة الحقيقية للإرهاب!!