يستند أصحاب الفكر المنحرف من المتطرفين إلى بعض آيات القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية الشريفة لتبرير أعمالهم الإجرامية بعد أن أنزلوا هذه الآيات على غير مواضعها، وعند الحديث عن هذا الأمر لابد من الرجوع إلى الأصول الشرعية مع النظرة الواقعية في زماننا هذا، فعلى سبيل المثال مادة «رهب» والتي يشتق منها لغوياً كلمة الإرهاب تعني الخوف، {كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} (90) سورة الأنبياء، والرغب هو الإقبال والمحبة والرهب هو الخوف وهذا الخوف أو الإخافة جاء محموداً في إخافة الأعداء في سورة الأنفال لقوله جل وعلا: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (60) سورة الأنفال، والمعنى هو إرهاب العدو في أرض المعركة، وهو أمر محمود باتفاق أهل العلم، لكن العمليات الإجرامية والإرهابية التي ارتكبها هؤلاء الضالون في بلادنا المباركة أوجدت معنى خاصاً لهذه المادة؛ مادة رهب وهو إخافة المسلمين والمعاهدين والمستأمنين بغير وجه حق، وهو أمر مذموم وإن كانت هذه المادة لم تأت في الكتاب والسنة إلا أنها موجودة في معناه. فالله جل وعلا يسمي من أرهب مسلماً بغير وجه حق يسميه مفسداً في الأرض ومحارباً لله ورسوله؛ قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ} (33) سورة المائدة، ولا نجد من الناحية الفقهية أي إشكال في تعريف الإرهاب المذموم الذي يوصف فاعله بأنه محارب لله ورسوله، والذين يحاولون تبرير جرائمهم الإرهابية بإنزال آيات القرآن الكريم والسنة في غير مواضعها، يتجاهلون عن عمد آيات كثيرة وأحاديث كثيرة تحرم ترويع الآمنين، وتحرم قتل الأنفس المعصومة وتحرم إهدار أموال المسلمين وتحرم إطلاق التكفير وإخلال الأمن، وهذا لا شك يرجع إلى زيغ في العقل ومرض في النفس، وأهواء وأغراض حجبت حقيقة الإسلام عن هؤلاء فضلوا وأضلوا، بل والأدهى أنهم باعتبارهم من المنتسبين للإسلام أعطوا أعداء الإسلام فرصة أكبر لشن حملاتهم المغرضة لتشويه صورة ديننا الحنيف. وهذا الإرهاب الذي يرتكبه المحسوبون على الإسلام أشد خطراً من مخططات أعداء الدين؛ لأن أعداء الإسلام من المشركين والكفار نعرفهم جيداً، وأهدافهم معروفة والمؤمن يتيقظ لهذا الجانب، أما هذه الفئات التي تنتسب للإسلام، وتزعم أيضاً دفاعها عنه وترفع راية الجهاد، وأنها تقتل لنصرة الإسلام وتدمر لرفعة الإسلام، وتخيف لعزة الإسلام، فإن خطرها أشد؛ لأن شرهم يأتي من حيث يأمن الناس، ولأنهم جاؤوا على جهة مأمن؛ فالناس في مأمن وهم يعتدون عليهم؛ فالمسلم لا يتوقع شراً من أخيه المسلم، ف(كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) كما في الحديث الشريف. وهذه الفئات الإرهابية الضالة رفعت راية الجهاد زعماً وقتلت المسلمين والمعاهدين والمستأمنين عمداً، ولهذا نقول: إن هؤلاء الإرهابيين لم يحاربوا الدول والمجتمعات الإسلامية، أو المسلمين لكنهم في الحقيقة حاربوا الله ورسوله، ذلك أن مراد الله جل وعلا ومراد رسوله -صلى الله عليه وسلم- من نزول الشريعة أن يعبد الناس ربهم وحده لا شريك له؛ ليتحقق لهم الأمن في البلاد التي استخلفهم الله جل وعلا فيها. فقال عليه الصلاة والسلام (والله ليتمن الله هذا الأمر حتى تسير الظعينة من مكة إلى صنعاء أو قال من مكة إلى العراق لا تخشى إلا الله). واحة الأمن الفكري: من أسباب الانحراف الفكري ترك الشباب المرجعية الدينية في مجال الفتوى من كبار العلماء لدينا والأخذ والتلقي للفتوى من أنصاف العلماء أو من خطيب جائر، أو مواقع مشبوهة مثل الإنترنت وممن يخالفوننا في المذهب. [email protected] باحث في الشؤون الأمنيّة والقضايا الفكريّة ومكافحة الإرهاب