حدثت معركة «حزبية» بين «مثقفين» بسبب تغريدة للكاتب صالح الشيحي ذي الشعبية الواسعة، والنية الصادقة، كان يعبّر فيها عن رأيه في مشهد استفزه أو أثار تقززه، أثناء عقد مؤتمر المثقفين في الرياض. وربما لم يكن الشيحي يتصور أن ملاحظة شخصية عابرة ستتحول سريعاً، وفي ثوانٍ إلى «توظيف حزبي» كامل من غلاة التدين، وغلاة الليبرالية، الذين تراشقوا وخاضوا حرباً الكترونية ضروساً «خَطَرتْ وكانت قبلها لم تَخْطُرِ».. وتبز المواقع والحروب السالفة، بوطيسها الالكتروني وأغبرتها الطيفية..! وبدأ «إطلاق النار»، حينما وجه الروائي والكاتب عبده خال تهديداً استفزازياً للشيحي، بدلاً من أن يعاتبه، فحدث الاشتباك، وتحول الفضاء التخيّلي الثقافي إلى معركة، لا تزال تشتعل، واشترك في «التراشق» ورمي «المالتوف» التويتري، أنواع عديدة: دعاة وشيوخ وشعراء وروائيون وكتاب وأكاديميون وصحفيون، ومنقبات ومتبرجات، ومراهقون ومتفرجون ووزراء أيضاً. كما هو متوقع ،المتطرفون المتدينون وغلاة السلفيين وظّفوا ملاحظة الشيحي لإثبات رأيهم أن المجتمع متفسِّخ وأن السبب هم الليبراليون والحكومة والمندسون، الذين سيقودون المجتمع إلى أغلال جهنم وبئس المصير، لأننا لم ننهَ عن المنكر الليبرالي ولم نميطه مبكراً. وأن ذلك أحد علامات قيام الساعة ونذرها. وهم يحلمون ألّا يأتي الفجر إلا وقد تم تسييج المملكة بسياج من فولاذ لا نتصل ولا نتواصل ولا نتكلم مع أي أحد على وجه البسيطة، ففي ذلك سد للذرائع وراحة للنفس والهوى. ومتطرفو الليبرالية وغلاتها، وهم لا يقلّون شناعة أيضاً، هجموا على الشيحي، لأنهم يرونه يناغم المتشددين الظلاميين والحكومة والمطاوعة المندسين. وهم، أي «متطرفو الليبرالية»، لا يرون بأساً مهما حدث في الماريوت أو في الثمامة أو في الدهناء، أو في أي مكان آخر، ومعروفون أنهم يدعون لأي «تفصيخ» ولا ينكرون أي مجون. وينامون وهم يحلمون بنيران تلتهم أحجبة النساء وأنقبتهن وعباءاتهن قبل الصباح، وأن يقوم لل«مايوهات»عزها التليد في شاطىء نصف القمر وبحرة وحتى في خباري العوشز. الملفت أن هؤلاء قلة وهؤلاء قلة، لأن الغلو والتطرف شذوذ، ولا بد أن يكون الغلاة قلة، لكنها قلة ناشطة وجريئة، وتحدث ضجيجاً يلفت الانتباه. وتحاول اختطاف المجتمع ومصادرة وسطيته، وتتجاهل الواقع والتركيبة الاجتماعية. وما حدث هو اشتباك من معركة طويلة، في حروب الحداثيين والتقليديين وتحولت، في الألفية الثالثة، إلى حرب ليبراليّين و«مطاوعة» واستمرت أكثر مما عمرت حرب داحس والغبراء الجاهلية الشهيرة. و«ألذ» تعليق وأكثرها سذاجة هو «فتوى» أحمد عائل فقيهي مدير التحرير في عكاظ، بقوله: إن الكاتب الصحفي (ويقصد الشيحي) يجد نفسه غريباً بين النخبة الثقافية، ثم تبسّم حتى بدت نواجذه، تدليلاً على أنه قد غاص في أعماق محيط الظلمات ،وأتى ب«الدّر» وهذه البلاغة السقيمة. بينما لا يعلم أن الكاتب الصحفي المحترف، بالضرورة هو أكثر معرفيا من أكثر شلل «مثقفي» فقيهي وجموعهم. المهم أن الشيحي تسبّب في أن ينشر الغلاة من الطرفين غسيلهم على الملأ. [email protected]