لا يلوح في الأفق أن الحرب في غزة سوف تضع أوزارها في القريب العاجل، فالمبادرات والمباحثات السياسية والدبلوماسية لم تعالج الأزمة من جذورها في سبيل ايقاف اطلاق النار فبقيت الأزمة عالقة والحلول عالقة، وقد فتح الفشل الذريع في ايجاد تسوية عادلة للأزمة شهية إسرائيل لإسالة المزيد من الدماء الفلسطينية على أرض غزة، فمازالت الآلة الاسرائيلية تحصد أرواح الأطفال والنساء والمسنين في غارات عشوائية لالحاق الأذى بأكبر عدد من المدنيين في أبشع عدوان من نوعه تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين العزل، فالغارات موجهة بكثافة للبيوت السكنية التي مازالت تتهاوى على رؤوس أصحابها على مرأى من المجتمع الدولي الذي مازال يتفرج على المذابح البشعة التي ترتكبها إسرائيل دون أن يحرك ساكنا. والدفاع عن النفس في حالة العدوان أمر مشروع أقرته سائر القرارات والقوانين والأنظمة الدولية، وها هم الفلسطينيون يدافعون عن أنفسهم للخروج من مأزق الحصار المفروض على غزة منذ ثماني سنوات، فقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى فارتأى المجاهدون انتزاع حقهم في الحياة بالقوة، ويبدو أنهم لن يوقفوا مهمة الدفاع عن نفوسهم وعن أرضهم إلا برفع الحصار عن غزة كأحد الشروط التي مازالت إسرائيل تحاول القفز عليها بكل الوسائل، وقد أسفر الجهاد المشروع عن سقوط العشرات من القتلى والجرحى في صفوف الجنود الصهاينة كرد فعل طبيعي للغارات العشوائية التي تشن على بيوت الفلسطينيين حيث مازالت الآلة الاسرائيلية تشن عدوانها المتصاعد دون هوادة، وهو عدوان تستخدم فيه اسرائيل القوة المفرطة لاملاء شروطها الاستسلامية على غزة. وليس من المستغرب أن تضع اسرائيل ستارا من السرية كعادتها على عدد قتلاها وجرحاها في خضم المعركة الدائرة بينها وبين المجاهدين الفلسطينيين الأشاوس، الذين مازالوا يسطرون بدمائهم الزكية أروع ملحمة من ملاحم البطولة والجهاد؛ لانتزاع حقوقهم المشروعة من براثن الصهاينة الذين تمادوا في غيهم وشراستهم وعدوانهم من خلال ارتكابهم لأفظع المجازر التي لم تشهد لها الحروب المعاصرة في بؤر التوتر في العالم مثيلا. وازاء ذلك فان المجتمع الدولي مطالب بالخروج عن صمته المطبق تجاه ما يحدث في غزة، فعبارات التنديد والشجب والاستنكار ضد أفاعيل الصهاينة لم تعد مجدية أو كافية، بل لا بد من تحرك مسؤول لوقف نزيف الدماء على أرض غزة، فالعدوان الاسرائيلي وصل إلى درجة تستوجب من كافة دول العالم المحبة للعدل والأمن والسلم ايقافه والحد من تصاعده المسعور. لقد صبر أهالي غزة بما فيه الكفاية، فلم تعد المفاوضات مجدية مع إسرائيل والحلول الاستسلامية التي تحاول فرضها على الشعب الفلسطيني مرفوضة بكل تفاصيلها وجزئياتها، وان لم تذعن اسرائيل لشروط وقف اطلاق النار في غزة وعلى رأسها رفع الحصار وفتح المعابر واطلاق الأسرى الفلسطينيين والتعهد بايقاف الاعتداءات المتكررة على أهالي غزة، ان لم تذعن لهذه الشروط فان وقف اطلاق النار لن يتحقق، وستبقى جذوة الصراع متأججة في غزة وسيسقط المزيد من القتلى والجرحى من الجانبين، والمسؤول الأول والأخير عن تأجيج الصراع في غزة وتصعيده هم ساسة إسرائيل الغارقون في أحلامهم التوسعية الماضون لتطبيقها من خلال بناء المزيد من المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو أمر لا يرفضه الفلسطينيون وهم أصحاب الحقوق المشروعة المهدرة فحسب، بل ترفضه كافة دول العالم الحر وترفضه كافة الهيئات والمنظمات والمؤسسات الدولية المنادية باحلال السلام العادل والدائم لأطول أزمة عرفها التاريخ المعاصر.