الفنان التشكيلي يستوجب عليه أن يكون صادقا وشاهدا وعاكسا للحقيقة لكل ما هو إنساني، لا أن يكون مزيفا للواقع منافقا دون فكر ولا رؤى، فاللوحة أرقى وأجمل من أن تكون كذلك، هذا ما أكده الكاتب والفنان التشكيلي جلال الطالب خلال حواره مع «الجسر الثقافي» عن الفن بمنظوره الفكري. ماهو الفن من منظورك الفكري؟ الفن هو الطريقة الطبيعية والمثلى لتفعيل العقل المبدع على الخيال، فالنمطية الذهنية البدائية لدى الإنسان هي تلك النماذج الفطرية بطريقة الرسوم البدائية لدى الأطفال، التي تحتوي على الفطرة الفنية النقية، فالعلوم والمقاييس المتراكمة بالعقل بمرور سنين العمر لدى الإنسان أنتجت اتكالية ذهنية حد الكسل فمنها امتهان للعقل وتقليص للقدرات الإبداعية سواء أكانت تنطوي تحت مقاييس علمية بمفهوم منطق المعادلات، أو مسلمات تنضوى يُعتقد أنها مثالية أو عادات اجتماعية سلم بها العقل إلى حد التقديس، أو أدلجة الأطفال من قبل الكبار وبذلك يكون هذا الإنسان كالمقيد بالأسلاك الشائكة تابع ومتمترس خلف جدران قد شيدها له الغير حتى لا يحرك ساكنا أكان حراك ذهنيا أو فعليا، وإن الإنسان يولد على الفطرة مبدعا ومتحررًا في إبداعه من ذاتيته وتبعيته لكل شيء وهو متمرد بالسليقة على كل الأطر التي تكبل مخيلته. لكل مبدع بهذه الدنيا طقوسه الخاصة في إبداعه أكان نصوصا أدبية أو لوحات تشكيلية ياترى كيف يبدع الفنان أعماله التشكيلية؟ لكل فنان مرسمه الخاص به، أي إنه يحيى بمكان ذي عزلة منفصلة عن روتين الحياة وتسارعها، حيث يلجأ بحكم ذاتي انفرادي كحالة معتقل أجبر بكل رضى وسعادة على تنفيذ عقوبة محببة إليه، ليقوم بطقوسه الخاصة فينتج أعماله التشكيلية هذا المرسم أو المعتزل إن جاز التعبير الذي ينشده الفنان بين الفينة والأخرى، هو مجرد مقدمة لحالة أعمق وأبعد من واقع حياته أو مساحة مرسمه، فغايته المنشودة هنا أن يتجرد من ذاته وجسده، ويكون حالة استثنائية فكرية ليرتقي لمرحلة اللاوعي بالوعي، فيجتاز بها كل الحدود المنطقية والحسابات الملموسة، فتكون جدران مرسمه فضاءات لا متناهية وأرضها كغيمة يمتطيها ليحلق بأجنحة الألوان، فترتسم وراءها خيوطا من الزمن، تكون فاصلة بين الأرض السماء. هذه الولادة للفكرة وظهورها، تذهب بنا لاسترجاع جدلية قديمة، حول خفايا النفس البشرية، بإدراكاتها الباطنية اللا مرئية، فتكون بمثابة الضوء في عالم العتمة، فهي مزيج بين حالتي الوعي واللا وعي بالمنتج التشكيلي. كيف تجد العنصر النسائي بالحركة التشكيلية ؟ إن حضور المرأة في المشهد التشكيلي السعودي هو إنجاز لهذا الحراك الذي تفوق على نظرائه من الفنون الأخرى سواء كان المسرح أو الغناء والموسيقى فقد كان لها دور ريادي وكبير بمشاركة الفنانين الرجال برفع الذائقة التشكيلية السعودية وانخراطها بتشكيل مجالس الجمعيات التي تعنى بالفن التشكيلي وإدارتها بكثير من الأحيان فهو قفزة نوعية بالرغم من المعوقات التي تكتنفها، وأنا لا أود أن أتوقف هنا عند دور المرأة كفنانة تشكيلية أو كقيادية، وهي الملهم للفنان الرجل في منجزاته التشكيلية دائما ما يبحث الفنان عن الجمال ولب الحقيقة فهما الملهم والغاية المنشودة له، حيث المنجز التشكيلي يرتكز عليهما وحين يأتي بذكر الجمال تُحضر الذاكرة الذهنية المرأة بكل تقاسيمها فمنذ الأزل نجد الشعراء والأدباء والفنانين يتغنون بها لكونها رمزا للجمال دون منازع فالكثير من الفنانين تكون محور لوحاتهم أو منحوتاتهم المرأة بتقاسيم جسدها وجمال وجهها الطبيعي، وكثير منهم أيضا رسموها بشكل تشويهي بحثا عن فلسفة عمق الحقيقة والتي تدخل الرأي بحالة الصدمة البصرية. وماذا عن تجربة الفنان السعودي وكيف ترى نمط الحركة التشكيلية لديه ؟ حين أتأمل بعض التجارب لبعض الفنانين السعوديين أجدها وصلت إلى النضج ولعل المقام هنا يتسامى بأخذ الفنانين التشكيليين محمد السليم الذي أدرج ضمن الموسوعة الإيطالية، وما حققته تجربته (الآفاقية) من خصوصية، وتجربة الفنان الرضوي اللونية التي اعترف ذكره عنها نقاد عالميون بأنه من الملونين المتميزين، مع الإشارة لما مر به الفنان سعد العبيد من مراحل حتى وصل إلى ألوان الطيف، وصديق واصل الذي تعاطى مع الذهنية الفنية وتقديمه الفكرة على الجمال بالمفهوم اللغوي بفن ما بعد الحداثة، فيما آخرون يطوفون حول ذاتهم بالفراغ، وتكرار ذاتهم على مدى عمرهم الفني، بمعنى أنَّه لا يوجد لديه مشروع فكري فني يبحث فيه، لينتج أعمالاً تشكيلية على أسس بحثية، فالسائد بالحركة التشكيلية هو نمط معين من التكرار فهذه مشكلة قد تتطوّر إلى إشكالية، فالمشكلة لها حل أما الإشكالية لا يوجد لها حلول حين يأخذ هذا الدوران حول الذات ويمنح صفة الرمز التذكاري فيرى في دوران الفراغ أنموذجًا مغايرًا، وفي حقيقته أنه يحيا بين دهاليز فسيولوجيته ونرجسيته، ولو منح نفسه أو فكرة برهة للتأمَّل وبعثر أوراقه الفنيَّة وأعاد ترتيبها من جديد لإيجاد آلية للبحث في مشروع ما ولمدة خمسة أعوام بالتمعن والقراءة باعتقادي كافية لتجسيد كل ما تلقاه واستنتجه بأعمال تشكيلية، فتصبح بنهاية العام الخامس مشروع معرض شخصي مدعم بإنتاج مؤلف يكون أشبه بالنافذة الفكرية للأعمال الفنيَّة أيا كانت نحتية أو لوحات حائطية وبذلك قد تخلص من التكرار والطواف بالفراغ.