لن أشغلكم بالأرقام الفلكية ولن أصدّع رؤوسكم بالعناوين المخيفة التي تطلع علينا بين حين وآخر على غرار "المملكة سادس أكبر مستهلك للنفط والغاز بالعالم"! "هيئة الكهرباء" محذرة من ارتفاع الاستهلاك : لا نضمن استمرار الدعم"! لكنني تأثرت بقرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حول ترشيد استهلاك الكهرباء والمياه في منزله الخاص بجميع الأدوات والسبل التي تسهم في ترشيد استهلاك الطاقة، استجابة لدعوات الترشيد الحكومية لخفض مستويات الاستهلاك المرتفعة التي تكلف المملكة مبالغ مالية طائلة. إذا تخيلتَ أن أحفادك سيتقاتلون على قطرات مياه من أجل الاستحمام أو كوب شاي ستعلم أن ما نفعله اليوم هدر عظيم مخالف لحقوقهم المستقبلية ولمعايير الإنسانية الأولية. قد يبدو ذلك مضحكاً الآن، بل وغريباً وقد يوصف قائل هذا الكلام بالعَته والجنون "هل من المعقول أننا قد لا نجد قدراً من الماء يكفي لكوب من الشاي أو لحمام دافئ في يوم بارد؟" والإجابة هي: نعم بلا شك.. قد يختفي من أمامك "برّاد الشاي" المفضل في التوقيت المفضل فلا تجد كهرباء لتسخين الماء أو ربما لا ماء أًصلاً! إذا تذكرتَ أن هذه الأرض لم تخلق لك وحدك، وأن لها خلفاء غيرك فستبدأ من اليوم في الترشيد، والترشيد كلمة تطال العناوين الكبرى للمنابر الإعلامية المختلفة، لكنها تقع في آخر بقعة صغيرة في أسفل الدماغ من منطقة اللاوعي عند بعض المواطنين غير المبالين، وذلك ببساطة لأننا لم نتلق التوعية الكافية لتنبيهنا أن الماء قد ينفد، والزيت كذلك! أنت وأنا والجميع بحاجة لاستحضار كلمة "الترشيد" في مقدمة الرأس بل ووضعها نصب أعيننا كلما عقدنا العزم على مغادرة المنزل أو استقبال ضيف. الحفاوة لا تستدعي كل هذه الإضاءة ومظاهر البذخ، فلا بأس من استبدال الثريات العملاقة المتدلية من السقف بالإضاءات الجانبية الأقل تكلفة، ولا بأس أيضاً في استعمال اللمبات الاقتصادية المحافِظة على الطاقة، وفي تقليل عدد المكيّفات قدر المستطاع فلا ضير في جلوسنا سوياً في ساعات الليل الأولى توفيراً لعدد الأجهزة المستهلكة للكهرباء، خاصة أن كل منا سينشغل بهاتفه الجوال ولن يزعج أحدنا الآخر! كما أن للمرأة بالمطبخ دورا كبيرا يمكنها من خلاله الاقتصاد في استعمال الأفران سواءً المعتمدة على الغاز أو على الكهرباء. فغليّ الماء وتسخينه قبل الشروع في عمل القهوة أو لاستعماله في سلق معكرونة أو ما شابه سيختصر الكثير من الوقت والغاز (أو الكهرباء للبوتاجازات الكهربائية) عوضاً عن استعمال ماء فاتر وانتظاره حتى يغلي! هل تبدو اقتراحات مجنونة؟ خير لنا أن نبدأ في اتخاذ بعض الاجراءات البسيطة في بيوتنا قبل أن نُرغم على فعل ذلك. من جهة أخرى، يتساءل العديد من المواطنين الذين يتطلعون للمساهمة بوعي في الحفاظ على الطاقة وفي استخدام الطاقة الشمسية كطاقة بديلة حول سبل الحصول على ألواح شمسية بسهولة خاصة في ظل محدودية عدد المؤسسات التي توفر هذه المتطلبات. كما أن أسعارها باهظة التكاليف وغير متاحة، في حين أن النمسا كدولة رائدة في هذا المجال مثال يجب أن يُحتذى، حيث أتاحت للمواطنين والمقيمين المساهمة بدور فاعل في تقليص حجم الاستهلاك. فليس مستغربا أن تجد ألواحاً شمسية لاستقطاب الطاقة في كل مكان من حولك، وقد بدأت بالفعل جامعة الأميرة نورة في تأمين الطاقة البديلة اللازمة لتغذية الحرم الجامعي في الرياض بالمياه الساخنة من خلال انجاز شركتين نمساويتين أكبر منشأة للطاقة الشمسية في العالم، وستكون المحطة الأولى بالرياض، فمتى نرى لكل منا ألواحه الشمسية على سطح منزله بجانب أطباق استقبال الأقمار الصناعية؟!