قيل هو الحشمة وهو ضد الوقاحة، وهو الخلق النبيل الذي يبعث على فعل العمل الحسن وترك العمل القبيح، وقيل هو: (تغيُّر وانكسار يعتري الإنسان مِن خوف ما يُعَاب به ويُذَمُّ، ومحلُّه الوجه)، لربما أضحى جلياً ذلك الخلق الراقي والذي أعنيه هنا بدءا بالعنوان في أجمل صفة من صفات أكرم الخلق (عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم)، فقد قال عنه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أشدَّ حياءً مِن العذراء في خدرها) ولنا أن نتخيل كيف تكون العذراء في خدرها، وقدر ذلك الخجل الذي يصيبها حين يقبل عليها من لا تعرف أو تألف فنرى تفتح وردات الخجل على وجنتيها، فكيف بذلك القدر حين يكون مضاعفاً عند رسولنا الكريم. الحياء صفة كريمة لا أرى احداً يحملها إلا وزاده الله بها جمالاً وحسناً ووقاراً ومكانة كيف لا وهي من شعب الإيمان، فهي صفة المسلم التي لا تغيب عنه حين يقبل على عباداته وهو يرتجف خجلاً من أنه لربما بدر منه تقصير أمام الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يغدق عليه من النعم ما لا يحصى ولا يعد، فيشعر بأنه لم يؤد صلاته بخشوع كامل أو لم يعط والديه حقهما عليه من البر والإحسان، فنجده يحاسب نفسه ويندم على ما فاته في يومه هذا، وهي حال المسلم على الدوام نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون كذلك. الحياء فطرة في النفس البشرية نحتاجها كجزء من قيمنا وأخلاقنا وسلوكنا، ولعلي أقول إن الحياء حياة للقلب وللمشاعر، وهو تلك الركيزة التي تتحكم في الأهواء والغرائز فتمنع اندفاعها أحيانا نحو ارتكاب أمور قد تشتهيها الأنفس، وكما جاء في الذكر الحكيم فالنفس أمارة بالسوء ما لم يكن لها ضابط كالحياء مثلاً يمنعها أحيانا عن ارتكاب محظور أو مستقبح، في الأزمان الماضية وفي مجتمعنا الشرقي خاصة ارتبط الحياء بالفتاة أو الأنثى حيث يعتبر أي سلوك تمارسه مرتبطا ارتباطا وثيقا بحيائها، كالصوت وطريقة الكلام وحتى العبارات وصولاً لضحكتها وحتى مشيتها. ولي ان اتوقف هنا قليلاً عند قصة سيدنا موسى «فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» 25 سورة القصص، وقد كان الوصف لمشية ابنة سيدنا شعيب أنها كنت تمشي على استحياء، وذلك حين أرسلها والدها لطلب سيدنا موسى ليكافئه وقد قيل إن ذلك الوصف لمشيتها دلالة على أنها كانت تمشي بلا تبختر أو مبالغة أو تزيين. وقد عرف أن الحياء صفة لصيقة بالإناث ولعلها حتى وقتنا الحالي، بينما بالمقابل ينظر للرجل بأن عليه أن لا يكون حيياً، ومن العبارات التي تتردد كثيرا وفي مجتمعنا بالذات (الرجل ناقل عيبه) بمعنى أنه لا شيء يعيبه حتى وإن كان بلا حياء. ما أراه هو أن الحياء ليس سلوكاً محصوراً في خفض صوت أو احمرار وجنتين أو حتى إبداء رأي كما يحصل حين تخطب فتاة فيقبل بهز رأسها كعلامة قبول ورضا إذا كانت بكراً وتستثنى إن كانت ثيبا، فالأمر له بعد أكبر وأشمل، فالحياء موجود في كل حياتنا، أن نشعر بالخجل حين نرتكب معصية فلا نجاهر بها ونحن نعلم بأن الله قد سترنا رغم اطلاعه علينا، أن نخجل حين نرتكب خطأ في حق أحدهم فنعتذر منه، الحياء أن نعلم بأن الجميع لديه عيوبه ونحن أول القائمة، الحياء هو ألا نجادل ونحن نعلم بأن رأي الآخرين هو الصواب فنستمع دون تعال، ونأخذ برأيه حتى وإن كان أصغر سناً أو أقل مكانة.