تشق كرة القدم طريقها في بلاد العم سام بسرعة قياسية، وقد تصبح في مدى زمني معقول منافسة قوية لرياضات تعبر عن النبض الحقيقي للأمريكيين وهي: كرة القدم الأمريكية والهوكي على الجليد وكرة السلة على سبيل المثال لا الحصر. عندما تقدمت الولاياتالمتحدة بطلب استضافة كأس العالم عام 1994 لم يكن هدفها منح أفضلية لمنتخبها للفوز باللقب بطبيعة الحال، بل نشر ثقافة هذه اللعبة لدى الشعب الأمريكي، وتحديدًا لدى الأجيال الشابة؛ لأن الأجيال التي عشقت رياضات أخرى بقيت مخلصة لعشقها الأول. نجحت التجربة، أولًا ببناء ملاعب على درجة عالية من المستوى استعملت لاحقًا في مباريات الدوري الأمريكي لكرة القدم، ثانيًا ببناء شعبية مهمة لهذه اللعبة التي يطلق عليها تسمية مختلفة هي سوكر؛ لأن كرة القدم الأمريكية مختلفة تمام]ا عن كرة القدم التي نعرفها. كان المنتخب الأمريكي جيد الحضور إن كان في الكأس الذهبية أو تصفيات منطقة الكونكاماف التي يحتكر زعامتها مع المنتخب المكسيكي، وأيضًا في بطولات كأس العالم، وخير دليل ما قدمه في مونديال البرازيل حيث وصل إلى الدور ثمن النهائي قبل أن يخرج بصعوبة أمام بلجيكا بهدف مقابل هدفين بعد شوطين إضافيين. الحصيلة الأمريكية في البرازيل كانت فوزًا على غانا بهدفين مقابل هدف، وتعادل مع برتغال كريستيانو رونالدو بهدفين مقابل هدفين بعد أن ضاع الفوز عليها؛ لأن البرتغال أدركت التعادل في الدقيقة الرابعة من الوقت بدل الضائع، ثم خسارة صعبة أمام المانيا بهدف. مدرب المنتخب الأمريكي هو الألماني يورغن كلينسمان، أحد أبرز هدافي منتخب ألمانيا عبر العصور والمتوج معه بلقب كأس العالم عام 1990 في إيطاليا حين تغلب على نظيره الأرجنتيني بوجود دييغو مارادونا في المباراة النهائية. كلينسمان أطلق بعض الإشارات بعد نهاية مشوار فريقه في مونديال البرازيل من أن مهمته لم تنته بعد، وأن سعيه إلى بناء منتخب يحقق الإنجازات في المستقبل ما زال مستمرًا، لا بل إنه وضع هدفًا محددًا له بجعل المنتخب الأمريكي قوة عظمى في العالم على صعيد لعبة كرة القدم، أسوة بما هي عليه على الأقل كقوة عظمى في العالم سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، إن لم يكن القوة الأولى عالميًا. ويقول كلينسمان: إن المنتخب الأمريكي يأتي حاليًا في المركز الثالث عشر وفق أحدث تصنيف للفيفا، لكن طموحاتي أن أنقله إلى أفضل ثمانية أو أربعة منتخبات في العالم، وهذا يتطلب مواصلة العمل بجهد على كافة المستويات، من لاعبين وحكام وبطولة الدوري. التطور النوعي في مستوى المنتخب الأمريكي والروح القتالية للاعبيه ومنافسة المنتخبات القوية في العالم من الند للند رفعت كثيرًا معدل متابعي كرة القدم الحقيقية بين الأمريكيين، حتى وصلت الأرقام إلى قرابة عشرين مليون متابع للمباراة ضد المنتخب البلجيكي، وهذا رقم مرتفع جدًا في بلاد لم تكن لأعوام قليلة مضت تهتم بهذه اللعبة. ولاحظ كلينسمان نفسه مدى شعبية كرة القدم في الولاياتالمتحدة والتحسن الملحوظ الذي طرأ في عدد المتابعين عن المونديال السابق في جنوب أفريقيا قبل أربعة أعوام؛ ولذلك قرر البناء على الجيل الشاب من اللاعبين متطلعًا إلى مونديال روسيا 2018، ومن يدري فإن إنجازًا أمريكيًا ما قد يضع هذه اللعبة في صدارة الرياضات الأمريكية في المستقبل.