بعيدا عن القاموس أعرف الطريق بما يلي: الطريق هو المسافة بين الرغبة وبين تحقيقها سواء أكان هذا الطريق ماديا أم معنويا.. وحيث إن لكل إنسان رغباته فإن لكل إنسان طرقه في تحقيق هذه الرغبات.. مشروعة كانت أو غير مشروعة.. ومن هنا تختلف الطرق بين مضيئة ومظلمة حسب الموازين الإنسانية الاجتماعية والإخلاقية والقانونية. هذا واضح على الصعيد الفردي ولكن ماذا يحدث على الصعيد الجماعي؟ ومتى تكون «الإرادة الجماعية» ذات رغبة واحدة؟ وحتى إذا كانت فهل يكون الطريق إليها واحدا؟ كلا، لن يكون الطريق واحدا.. فانصهار الجماعة في رغبة واحدة لا يرادفها الطريق الواحد.. فكل فئة اجتماعية سيكون لها تصور مختلف للطريق عن فئة أخرى.. وهذا ما نشاهده في الأحزاب وبرامجها في المجتمعات الديمقراطية.. فكل حزب يطرح رؤيته للمستقبل مرجحا أن الطريق إليه هو هذا البرنامج الذي يتصوره. لنضرب مثلا: «العدالة هي تكافؤ الفرص» هكذا تعرف العدالة، ولكن هل هذا التعريف يمكن تحقيقه؟ لا أظن ذلك لأن رؤية الفرصة ليست واحدة عند الأفراد.. لأن ذلك يتطلب مستوى واحدا في المعرفة وسرعة البديهة والقدرة على قفز الحواجز.. ولذا فالفرصة نفسها تؤسس لعدم إمكانية الوصول المتساوي لها. العدالة الاجتماعية هدف من أروع الأهداف للبشرية السوية في كل زمان ومكان.. وكل حزب من الأحزاب ذات الأهداف التطورية المدنية يطمح إلى تحقيقها، ولكن الطريق إليها لا بد أن يكون مختلفا. مجرد الرغبة لا يحقق الهدف، ما يحققه هو الإرادة وهناك مصطلح طرحه الفيلسوف وليم جيمي (1845 – 1910) هو (إرادة الاعتقاد) الأمر الذي يدفعنا إلى السؤال التالي: هل الاعتقاد رغبة؟ وهل هذه الرغبة تحتاج إلى الإرادة لتحقيقها؟ الاعتقاد رغبة فطرية فليس هناك فرد سوي لا يعتقد بشيء سواء أكان ذلك حقا أم باطلا ولكن هل هذا ما تحققه الإرادة؟ لا أظن ذلك: ذلك لأن الإرادة اختيار، والاختيار لا يتم إلا بمعرفة الأرحب من الطرق الموصلة إلى الهدف وكيفية التغلب على ما يحول دونه.. وكل هذا لا يتحقق في اعتقاد معظم البشر على الإطلاق. إن اعتقاداتنا وراثية أي لا اختيار لها ولا إرادة.. هي كما قال القدماء «أي كذا خلقت».