أطفال الشوارع تلك القنبلة الموقوتة التي وجد المصريون أنفسهم، يدفعون ثمن استهتار نظامهم السابق بها، أصبحوا حديث الجميع الآن. منذ سنوات وتحذيرات أهلية، تتصاعد، منبهة لخطورة هذه القنبلة، دون نزع فتيلها، أو علاجها بشكل صحيح، بدل تركها، تمارس خطورتها، وسط تركيز حكومي سابق، على طبقة رجال الأعمال والأغنياء الجدد. الكارثة بدأت قبل سنوات، مع وجود إحصاءات غير رسمية، تشير إلى تجاوز عددهم المليون قنبلة، موجودة، أسفل الكباري، وفي المناطق العشوائية، وفي مستودعات القطارات والسكك الحديدية، والمباني المهجورة، ومع ذلك لم يتحرك أحد؟ الكارثة أيضا، ظهرت بوضوح في الأحداث الأخيرة، واحتشادهم في ميدان التحرير والزج بهم واستغلالهم فى التخريب واعمال العنف.. بل وتحميلهم مسؤولية ما يجري، وكأن مصائبهم لا تنتهي. اليوم تزور (اليوم) زارت ميدان التحرير، ورصدتهم والتقت ببعضهم (صبيان وبنات)، وكان التصوير مغامرة، حتى أن بعضهم جرى، وحاول تكسير الكاميرا، بل إن صوت أحدهم من بعيد جاء ليحذر زميله، بأن التعليمات (لديهم بالطبع) هي عدم إظهار صورتهم حتى لا يحاسبهم أحد. بعضهم كان يحمل العلم المصري، ويردد هتافات حماسية، بينما شوهد اثنان يحملان ملابس ضحية، بدت ملطخة بالدماء، وقالوا إنها لأحد الشهداء، وعرضوها لنا دون مانع من تصويرهما. مجموعة منهم، قالوا بصراحة:»نحن سعداء بتواجدنا داخل الميدان ونحصل على الطعام مجانا واصبح لدينا عمل نقوم به وهو مساعدة الثوار الابطال ممن يقومون بحماية البلد ويوفرون لنا الطعام والسجائر ونقوم معهم باي عمل يطلب منا لاننا نحب الكفاح واصبح لدينا عمل نقوم به». تمويل مجهول حين حاولنا الاستقصاء عمن يقوم بتمويلهم، قال أحدهم ببراءة:»في الاحداث الاخيرة لمجلس الوزراء ,جاء رجل يرتدي نظارة وطويل وطلب مني ان احضر اكبر عدد من اصدقائي واعطى لنا كل واحد مائة جنيه وقال لنا عاوزكم تكونوا رجالة وتشاركوا معنا». وأطفال اخرون اعتبروا أن هذه الظروف جعلت منهم «ابطالاً» وخلقت لهم وسيلة عيش «سبّوبه» يتكسبون منها ويبيعون الاعلام والمناديل واللب والبطاطا، بل ان أحدهم قال بصراحة :»هذه الايام نعيش في عز ورغد ونتمنى ان تظل وتدوم ويبقى الوضع كما هو لاننا المستفيدون»، ثم أردف وهو يضحك :»واحنا كده او كده كنا في الشارع ولا نحصل حين حاولنا الاستقصاء عمن يقوم بتمويلهم، قال أحدهم ببراءة:»في الاحداث الاخيرة لمجلس الوزراء، جاء رجل يرتدي نظارة وطويل وطلب مني أن احضر أكبر عدد من اصدقائي واعطى لنا كل واحد مائة جنية وقال لنا عاوزكم تكونوا رجالة وتشاركوا معنا».علي اي فرصة عمل» واعترف أن هناك ناسا يوزعون عليهم النقود والطعام. عُمر (17 سنة تقريبا) سمع كلام زميله ثم صرخ مدافعاً :»نحن لسنا بلطجية، كما يقولون عنا ولا نريد التخريب» ثم أضاف :»احنا بنحب الشهداء». أما شريف (18 سنة) فكشف عن معاناة هذه الشريحة، لذا اقترب من (اليوم) ولخص لنا مأساتهم :»أنا عندي 18 سنة عاوز مكان أبات فيه، أكل وشرب نظيف. مش لاقي معاملة كويسة في الشارع الناس كلها بتفكر في مصالحها وبس ، وأنا بقى لي 8 سنين في الشارع مش لاقي علاج لعيني، كل ما أروح لصيدلية تطردني.. مبحسش إن الناس بتحبنا .. محدش حاسس بينا «. على بعد خطوات، يجلس مراد، صبي في حوالي العاشرة من عمره، وقد بدا منهمكا في تكسير بعض أحجار الشارع، كان يبدو أكثر عدوانية، ما أن اقتربت منه، حتى لوّح بقطعة من الحجارة كانت في يديه، بالطبع فهمت الرسالة، وغيرت اتجاهي، فابتسم ضاحكا، ثم أكمل مهمته. وتحت كوبري التحرير، جلست مجموعة من الصبية، يلعبون ويرسمون على الأرض، أحدهم يوحي منظره بأنه في السادسة عشرة من عمره، كان يلبس تي شيرت نصف كم، بدا متسخاً كثيراً، أشفقت عليه، فالجو بارد، فسألته: كيف تنام هنا؟ فاكتفى بالقول :عندك مكان ابيت فيه؟ ثم أشار إلى ما يشبه كشك صغير من الكرتون وعدة أحجار صغيرة.. وقال لي: اتفضلي في الفيلا بتاعتي، فأسرعت بالفرار خاصة بعد أن اقتربت مني مجموعة من زملائه. سألت شاباً صغيرا: مين بيجيب لكم أكل؟ فاكتفى بالقول: اولاد الحلال كتير. فقلت له: وماذا يطلبون منكم أولاد الحلال؟ ضحك وقال لي: يا لئيمة...؟ مش ح اقول لك؟ ففهمت أن هناك من يستخدمهم لتنفيذ ما يريدون! من فوق الكوبري، حاولت التصوير، لكن أحدهم صرخ منبها زملاءه، اوع تخليها تصور.. الباشا قال لي كدا (؟!) ثم قال بهستيريا: جيبوا الكاميرا منها.. جيبوها يا أولاد!.