في نهاية كل عام ميلادي «تبرَع» وسائل الإعلام العربية بالتذكير بأسوأ الأحداث التي مرت بالعالم، تتذكر الموتى والقتلى والروائح والنفايات... هذا العام العربي بامتياز لا نحتاج فيه إلا أن نتذكر أسوأ تاريخ سياسي على الإطلاق في المنطقة، تاريخ تم تزييف وعي الشعوب العربية فيه بامتياز. المقابل الذي دفعوه حالة من الاستسلام لكل أدوات التصفية والرعب والوحشية التي كانت ترفعها أذرع الزعماء العرب دون استثناء. لم يكن هناك في العالم العربي من زعيم إلا وهشّ بعصا السجون والمعتقلات والدبابات والرصاص طوال العقود الماضية التي لم يعش فيها العرب ربيعا قطّ يعادل ولو عشر ما تم «تذويقه» لهم من ويلات. اقتصادات كبرى تم تدميرها بالرشاوى والسرقات، ثروات تم توزيعها من أجل تحسين صورة أنظمة بعضها وصل لأكثر من أربعين عاماً، شعوب ودول يعيش بعضها بنسبة تصل إلى أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر بمعاييره العالمية، إعلام يلمّع قادة السجون أكثر من اللمعان، مستقبل كبير تم تدميره بالوعود والخطط واللجان، أحداث كبيرة تطال الناس ولا نجد سوى تصريحات بالشفافية والديمقراطية والمحاسبة، تمويه وكذب ومكاسب شخصية انتهى بعضها أخيرا للكشف عن «عورات» كانت تدلل أبقارها وتتضخم الحسابات بينما يتفاخر بعض القادة بأن الشعوب مرفهة ومليئة جيوبها بالنِّعَم ! هذه «المنن» التي يرى القُساة كرمهم فيها هي أبسط من البسيط من الحقوق، الدول حقّ الناس وخيرها لهم، هذا غير خير الحرية والعدل والشراكة والأمن والاستقرار وعدم اختراق الحياة الكريمة كحق بشري، والتي ترى ولا تزال ترى الأنظمة السياسية العربية أنها هي الوصي وهي الأب والحليب والحارس والسجان والخبز. احتاجت الشعوب العربية فقط أن ينتصر لها بائع خضار شريف وكريم ليتحول إلى أيقونة كرامة، امتلك الشجاعة ليعبر عن كرامته وقهره من السلطة وكبرياء السلطة وغطرسة أولياء النظام لممارسة الإهانة إلى أن وصلت كرامة رجل يريد الحياة، وانطلق هذا العواء المدوّي الذي لن يتوقف. ومثله قدّمت بعض الشعوب ضحاياها بكل شرف من أجل الحرية والكرامة، ضحايا سيتذكرهم أهلهم وسنعيد ترتيب أسمائهم لنقدم لهم عاماً كاملا لم ينتظروا نهايته، إنما قدموها قليلا احتفالا بأهلهم وحريتهم، وليس أثمن هدية عيد الميلاد أن تكون شرفا وحرية وكرامة. هذا العام الجديد ينتظر أن يتحول إلى شراكة عربية في الكرامة والحرية ودفاعا عنهما، دفاعا عن الحياة التي تنتظر أجيالا نعوّل عليها كثيرا ونربيها لا من أجل شح حاكم أو نظام ولا من أجل أن نصبح عرضة للذبول في قبضة العسكر أو سحرة العقائد. الأمل الكبير أن تقدم الشعوب العربية التي قدمت التضحيات الكبيرة من أجل حريتها، عربون «مشاركة الكرامة» لإعلان أسوأ نظام عربي والمطالبة برحيله سلمياً، بدلا مما تعلنه القنوات العربية عن الراحلين والموتى والنفايات. [email protected]