منذ شتاء هذا العام وحتى الآن تبلغ درجة حرارة دماء الشعوب العربية أكثر من معدلات كل الحروب التي خاضها عدو «الأمة» التي روّجنا لمصطلحها إسلامياً ضد هذا العدو المتفرّج أو الصانع لا فرق فيما يحدث وأطلق عليه مؤخراً الربيع العربي! اختبار المهارات السياسية والعسكرية التي أخضعت لها شعوب بعض الدول العربية، اختبارات دامية بامتياز، كشفت وستكشف لاحقاً أن السياسة برمتها لعبة القذارة التي تمارس ضد الحياة، لعبة السلطة والسيطرة والوحشية. القوى السياسية العالمية العظمى تعرف أننا نعرف داخل اللعبة وخارجها، وهي تلعبها بامتياز، استغلال رغبة الشعوب بالتغيير يصاحبه تحريك للأدوات السياسية والعسكرية والاقتصادية من أجل أن يكون العالم داخل دائرة السيطرة، وتحديداً العالم العربي الإسلامي، وهذا مفهوم ولا قدرة لأحد على الاعتراض عليه بما أن هذه الأنظمة السياسية، اعني العربية، قبلت بلعب الدور منذ أكثر من ثلاثة وأربعة عقود. لست مؤمناً بأي دور للقوى العظمى بإطلاق شرارة التغيير والإصلاح العربي، فهذه رغبة وإرادة أحرار يضحّون بأنفسهم من أجل العدل والحرية والإصلاح والعيش بكرامة، مرحلة تمرّ بامتياز، رغم دماء الضحايا وأرواح الشهداء. مراقبة الوضع عن قرب لما حدث ويحدث الآن يكشف عورة السياسة وفرشاة الطلاء التي مرّت على أذهاننا عشرات السنين من أجل النبل السياسي والنزاهة الإعلامية وحتى دور المقاومة ضد عدو مشترك، شعارات كبيرة ابتلعناها طوال هذه السنوات مرة بداعي الخوف ومرة بداعي الهزيمة ومرة بداعي الاستقرار وكلها من أجل الحياة. ما يحدث في معادلة (أجنبي عربي) يحدث أيضاً بمعادلة (عربي عربي) و(إسلامي عربي) نسخ من صراعات متكررة آخر ما يهمها (عدد) متوقع من الضحايا، وكأن حياة مجموعة أو جماعة أو أفراد أمر حتمي وإلهي! هذا الدرس المكرر لا يعني فقط الدول التي امتلكت شعوبها إرادة التغيير ودفعت بحريتها إلى أقصى حدودها، بل جميع من على الأرض. لم يعد الاستقرار مرهوناً بالتخويف والسجن والقتل والتعذيب وقوانين الطوارئ وعربات العسكر وتحريك الصراعات داخل المجتمع.. التيارات والأحزاب السياسية في العالمين الإسلامي والعربي ترتكب نفس الحماقات السياسية أيضا بامتياز، لكنها الآن ستعيد حساباتها بما يحقق تنفيذ سياساتها ومنهجها وأهدافها مع بعض التنازلات، لأن التجربة أثبتت أن الشعوب لن تقف طويلاً أمام الاضطهاد لتتفرج على ثرواتها تنهب من مجموعة أفراد، وهذه التجربة هي الدرس الكبير لكل التيارات والأحزاب التي تعي أننا في العالم العربي دخلنا مرحلة جديدة للعيش بكرامة. [email protected]