أثارت توقعات الأرصاد الأسبوع الماضي بنزول أمطار خلال 24 ساعة أو أكثر قليلاً فزع الجهات الحكومية قبل المواطن، أما السحب الممطرة (العابرة) فقد خلفت وراءها عطلة دراسية وعدداً من القتلى وتلفيات وآلاف البلاغات والشكاوى. هذا المشهد المتكرر سنوياً مثير للاستغراب فنحن ننتظر وقوع المشكلة دون محاولة حقيقية لحلها من جذورها وبدلاً من ذلك نمارس الهروب إما بتعطيل الدراسة والمصالح الحكومية أو بتشكيل لجان للتحقيق (وإن كان التحقيق مهماً خاصة إذا أسفر عن كشف الجناة)، وذلك بالرغم من سهولة الحل الجذري من وجهة نظري المتواضعة. وللتأكيد على سهولة الحل أنصح المسؤولين عن المشكلات المستعصية في تصريف مياه الأمطار والسيول والتعامل مع الطرق والخطة المرورية وإجراءات السلامة في وزارة التربية والتعليم وغيرها من الجهات الحكومية، أن يقوموا بزيارة للدول النامية التي تقع على خط الاستواء لدراسة تجاربهم في التعامل مع الأمطار اليومية التي تضرب المدن بشوارعها ومدارسها دون أن تخلف آثاراً كارثية كما يحدث لدينا للأسف الشديد. (أتذكر كيف أحسست بهول المفاجأة وأنا أشاهد المطر ينهمر بكميات كبيرة جداً، وبشكل شبه يومي في دول تقع على خط الإستواء مثل ماليزيا وتايلند ثم أرى بأم عيني كيف تبتلع الشوارع كل تلك الكميات الضخمة من المياه دون أن تضطر تلك الدول إلى إيقاف مصالحها اليومية أو أن تتحول شوارعها إلى حفر غير مرئية تدمر السيارات فضلاً عن كوارث السيول وغيرها). ماذا لو كانت المملكة على خط الاستواء؟ هل سيتم إلغاء الدراسة النظامية كي لا يزيد عدد الموتى في الطرق والاختناقات المرورية وضحايا السيول؟ وهل سيجدي أن يتم الاكتفاء بتشكيل لجان للمحاسبة دون إعلان خطوات عملية على رأسها تحديث الأنظمة لاسيما إجراءات الرقابة على ترسية العقود والمشروعات والتفاصيل الفنية، وقبل ذلك حسن التخطيط البلدي والعمراني والمروري وتخطيط الطرق ووسائل السلامة، وغيرها. الغريب أن تلك الدول تمكنت أراضيها المشبعة بالمياه من شرب المزيد من مياه الأمطار في حين لا تستطيع أراضينا العطشى أن تفعل الشيء ذاته، وبينما تمكنت تلك الدول الاستوائية الفقيرة من حيث النفط أن ترصف شوارعها بطريقة منظمة تطرد المياه الزائدة دون مشكلات، فإن مادة الإسفلت المستخرج من بقايا النفط المحلي الذي تمتلك البلاد أكبر احتياطي منه عالميا لا يقوم بالدور نفسه. ومن غير المنطقي أن دولاً فقيرة من حيث الموارد تستطيع أن تضع خططاً عملية في حين تعجز كوادرنا بكل الإمكانات المتاحة لهم وبدعم من أعلى هرم الدولة أن تحقق ذات المشروعات بنجاح، وبدلاً من ذلك تستعيض بحلول مؤقتة للهروب من المشكلة مثل تعطيل الطلبة أو البحث عن المسؤولين عن الكوارث الماضية واللاحقة فحينما لا نضع حداً لتأثيرات أخطاء الماضي فإنها ستستمر في إثارة ذات الأزمات والكوارث. ماذا لو كانت المملكة على خط الاستواء؟ هل سيتم إلغاء الدراسة النظامية كي لا يزيد عدد الموتى في الطرق والاختناقات المرورية وضحايا السيول؟ وهل سيجدي أن يتم الاكتفاء بتشكيل لجان للمحاسبة دون إعلان خطوات عملية على رأسها تحديث الأنظمة لاسيما إجراءات الرقابة على ترسية العقود والمشروعات والتفاصيل الفنية، وقبل ذلك حسن التخطيط البلدي والعمراني والمروري وتخطيط الطرق ووسائل السلامة، وغيرها. ولأن الحكمة ضالة المؤمن ما العيب في أن تقوم الجهات المعنية بالتخطيط وإيجاد الحلول بزيارة تلك الدول التي حققت نجاحات كبرى في تعاملها مع الأمطار، وعلى رأسها الدول الاستوائية الطموحة والنامية، للاستفادة من تجاربهم أو التعاون معهم في حلها. وباختصار نحن بحاجة إلى حل جذري يوقف استدعاء ذكريات سيول جدة وغيرها من الكوارث التي حملتها الأمطار الموسمية القليلة ويلغي الحلول المؤقتة مثل تعطيل الدراسة والمصالح الحكومية وما ينطلي على ذلك من إهدار للوقت والمال حتى بات البعض يتساءل عن حكم صلاة الاستسقاء في مثل هذه الظروف.. تحياتي،،