وماذا بعد استمرار نزيف الدم في سوريا؟ يبدو أنه لا جديد، في ظل تعنت النظام، ووصول كل الطرق إلى "تفاهم" ما، إلى طريق مسدود، فالجموع التي تواصل دفع الضريبة من دمها وأرواحها، على استعداد لتقديم المزيد، بينما النظام ومعه كل آلته العسكرية والأمنية، والبلطجية والشبيحة، لا يهمهم سوى البقاء بأي شكل وبأي ثمن. الخوف، أن تنزلق مشكلة سوريا إلى مثل ما حدث في ليبيا، مع قناعتنا بأن النظام يحاول جر البلاد إلى هذا السيناريو بمنطق "عليّ وعلى أعدائي" وتصاعد المطالبات للمجتمع الدولي ودول الجوار بإنشاء منطقة عازلة تأوي المحتجين والجنود المنشقين الفارين من النظام السوري، المتهم بارتكاب أعمال عنف وحشية ضد مناهضيه. الوضع العربي المتقدم جداً، مقارنة بما سبق، يعاني من نفس مأزق معادلة "الرغبة والقوة" التي عانى منها، في حالات سابقة، إبّان غزو الكويت وحرب العراق، وكذلك معالجة الثورة الليبية، فالجامعة العربية التي دخلت بقوة على غير عادتها في معالجة الملف السوري، يبدو أنها تعلمت من التجارب السابقة، والتي كانت نتيجتها النهائية تدخلاً دولياً، لا يزال هاجساً غير مرغوب فيه، أو تكراره، لكن تعنت العقلية الحزبية في النظام السوري، تنسى وهي تحاول الهروب من هذه النتيجة، أنها بسلوكها وتصرفاتها وتناقضاتها على الأرض، تدفع نحو هذا التدخل. الجميع يعرف، أن العالم لن يتفرج طويلاً على ما يحدث في سوريا، والنظام يكاد يكرر نفس خطيئة النظام العراقي السابق، بدفعه البلاد والشعب إلى تحمل نتائج عقوبات دولية لن يتضرر فيها سوى الشارع العادي، والخطورة أن المسكوت عنه في أدبيات الحكم السوري، أن النظام عرف وكما قال محللون "كيف يخلق معادلته الخاصة. فإذا كان أي نظام ديمقرطي لا يحتاج لسند من فئة بعينها، لأنه يحظى بثقة أغلبية الشعب، فإن المُمسِك برأس الحكم الدكتاتوري الفردي يحتاج لفئة يراها سنده المضمون والأقرب إليه بمقياسه، فيشعرها من جهة بأنها مميّزة وأن مصيرها مع مصيره وقوتها من قوته، ثم يشعرها من جهة أخرى بأن وضعها هذا سيجعلها إذا ما تمّ استهداف النظام هدفا لأعدائه، أي ستصبح وإياه في خانة الملاحَقة والحساب ذاتها، وهو ما يدفعها إلى الاستماتة دفاعا عنه". وهنا الخطورة أو الكارثة. غلطة النظام، أو ورطته الكبيرة، أنه لم يعرف كيف يبني من هذه المعادلة بديلاً عن الرعب، أو يرمم الفجوة المتزايدة بين "طبقته" ومجموع الشعب، لتصبح المعركة في النهاية معركة حياة أو موت، ولأن الحياة بالنسبة للنظام وللطبقة، لها الأولوية القصوى، فبالتالي، فلا بد من "الموت" أو القمع لكل المعارضين والمحتجين والمتظاهرين، ما يعني أننا على بعد خطوات من النفق المظلم الذي لا رجعة فيه. وفي آخر النفق، هناك مشهدان لا ثالث لهما.. وصورتان حتميتان.. إما المشنقة أو رصاصة في الرأس، أو الهروب والظهور في قفص المحاكمة؟!