مؤشرات إيجابية بدأنا نراها تلوح في الأفق العربي، وذلك من خلال الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، كما جرى في تونس ويجري حالياً في مصر، حيث أصبح الاحتكام إلى جموع الشعب في تقرير الممثلين لهم في مجالس التشريع ضرورة لأي مسار ديمقراطي صائب في توجّه للمستقبل. الثورات التي رأيناها منذ أشهر عدة تستقطب اهتمام الشارع العربي لا يمكن أن تسير في مساراتها الصحيحة دون أن يقرر من أراد التغيير إرادته وطريقه نحو فضاءات الحرية.. ولعل انتخابات تونس كانت المثال الأبرز لما يمكن أن يكون عليه الوضع المستقبلي للشعوب القلقة على ثوراتها، حيث فاز من فاز، وارتضى الجميع النتائج، ولعل ما يجري في مصر أكبر بلد عربي في سبيله للتحقق خصوصاً أن عقوداً طويلة مرّت على الشعب المصري كان التزوير فيها سيد الموقف، حيث احتكار السلطة من قبل حزب السلطة بعد أن أبعد كل المنافسين الحقيقيين وأقصاهم عبر الاعتقال وتفريغ صناديق الاقتراع من معناها الحقيقي. الحقيقة التي نراها ماثلة أمامنا هي توق الشعوب إلى خوض تجربة الانتخابات بحرية ودون تزييف أو احتكار من قبل قوى ضد قوى أخرى ويمكن أن نرى في المرحلة المقبلة صعوداً كبيراً للتيارات الإسلامية في احتلال مراكز متقدّمة في البرلمانات العربية، وهي مسألة يجب ألا تخيف المترددين ما دامت القوانين والدساتير بمنأى عن الاستغلال من قبل قوى ضد القوى الأخرى المختلفة معها، وما دامت القوانين والدساتير ضامنة للحريات العامة وحرية العمل السياسي؛ لأنها الأساس.. وما يتبقى هو تداول للسلطة مشروع فنحن نرى أن دولاً غربية في بعض الأحيان تتقدّم فيها القوى اليمينية والمحافظة على القوى الأخرى، لكن ذلك لا يمنع التداول السلمي للسلطة. الشهور والسنوات المقبلة ستوضح لنا نجاح التجربة من عدمها ومن قدرة القوى الصاعدة على إدارة شؤون بلدانها، والالتزام بالمبادئ الأساسية للحكم من حريات وحقوق إنسان ومساواة وعدالة في توزيع الثروة بين مكوّنات الوطن الواحد. التاريخ لا يتراجع للوراء ولا أحد قادر على الانقلاب على إرادة الشعوب والتلاعب بطموحاتها وآمالها في حياة حرة وكريمة، وما يحدث في عالمنا العربي ليس استثناءً في حركة التاريخ البشري، وما نأمله أن تبقى هذه القوى على وعودها التي طرحتها في برامجها الانتخابية، وأن تحافظ على الأمانة التي حمّلتها إياها شعوبهم، وأن تقود عملية تقدّم المجتمع بصورة أكثر إشراقاً، وألا تستأثر بالسلطة على حساب غيرها ممن دفعوا ثمناً باهظاً في سبيل طريق الحرية والكرامة. عالمنا العربي القلق سيجد طريقه الصحيح مع وجود قوى سياسية نزيهة لا تفكّر إلا في مواطنيها وصناعة مستقبل أكثر إشراقاً للأجيال الحالية والقادمة.