تحاول مجموعة من القوى السياسية المصرية كسر حال الجمود السياسي الذي أصاب البلاد منذ أسابيع على خلفية معركة «الدستور أولاً» أم «الانتخابات أولاً»، من خلال التوافق على «ضمانات دستورية» إلزامية تبدد مخاوف القوى المدنية من استئثار الإسلاميين بوضع الدستور الجديد للبلاد في حال نالوا الغالبية البرلمانية، على أن يضمن الجيش أو مؤسسة القضاء تنفيذ هذه الضمانات مستقبلاً. ورأى سياسيون في هذا المخرج حلاً وسطاً من أجل المضي قدماً في تنفيذ خريطة الطريق التي وضعها المجلس الأعلى للقوات المسلحة وتقضي بإجراء انتخابات برلمانية في أيلول (سبتمبر) المقبل، على أن يتبعها اختيار البرلمان لجنة تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد، قبل اختتام الفترة الانتقالية بانتخابات الرئاسة قبل نهاية العام. وفي حين كان يفترض أن تنشغل القوى السياسية بالترتيب لخوض الانتخابات، استعرت معركة «الدستور أولاً»، إذ نشطت أحزاب وقوى سياسية ومنظمات حقوقية من أجل حض المجلس العسكري على تعديل خريطة الطريق ووضع الدستور الجديد أولاً قبل الشروع في إجراء الانتخابات، في مقابل إصرار الإسلاميين على إجراء الانتخابات أولاً. وزاد هذا الاستقطاب ضبابية المرحلة الانتقالية، إذ لم يقر حتى الآن قانون لإجراء الانتخابات، كما لم تنق الجداول الانتخابية، وهي خطوات يفترض أن تنتهي قبل إجراء الانتخابات بشهر على الأقل لمنح الأحزاب والقوى السياسية فرصة للدعاية وإبرام تحالفات وفقاً للقانون المنتظر. وعززت تصريحات حكومية من الغموض، إذ أفصح أكثر من مسؤول حكومي عن رغبتهم في إرجاء الانتخابات البرلمانية، لكن المجلس العسكري تمسك ب «الإرادة الشعبية» التي عبر عنها الاستفتاء، غير أنه فتح الطريق أمام تغييرات أو ضمانات قد تتم من خلال توافق كل القوى السياسية، من دون أن يفصح عن طبيعة هذه الضمانات. ولم يستبعد خبراء إرجاء الانتخابات إلى حين التوافق على هذه الضمانات الدستورية التي تناقشها القوى السياسية حالياً، فضلاً عن مناقشة مشروع قانون للانتخابات من أجل تقديمه للمجلس العسكري وإقراراه. وكشف المرشح المحتمل للرئاسة الدكتور محمد البرادعي أنه طلب من المجلس العسكري إرجاء الانتخابات حتى كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وكان رؤساء وممثلو 18 حزباً أقروا «وثيقة التوافق الديموقراطي من أجل مصر» التي تضمنت «مبادئ حاكمة للدستور»، بينها حرية العقيدة والعبادة وأن المواطنة أساس المجتمع، وضرورة تداول السلطة عبر الاقتراع العام الحر النزيه، وحق التجمع السلمي في الأحزاب السياسة والجمعيات الأهلية والنقابات المهنية، وحرية الرأي والتعبير والإعلام وتداول المعلومات والتظاهر السلمي والاعتصام، وتأكيد أهمية استقلال القضاء، وأن يقوم النظام الاقتصادي على الحرية والعدالة الاجتماعية، وتأكيد دور الدولة في الرعاية والحماية الاجتماعية، وتدعيم العمل العربي المشترك رسمياً وشعبياً وبناء علاقات مصر الإقليمية والدولية على أساس التعاون والمصالح المشتركة، وضرورة الاهتمام بدول حوض النيل خصوصاً وإجراء حوار استراتيجي مع إيران وتركيا على مستقبل المنطقة، ومراجعة عملية التسوية مع إسرائيل على أساس أنه لا سلام حقيقياً في ظل العدوان والإجحاف وانتهاك الحق الفلسطيني في تقرير المصير. ووقع على الوثيقة ممثلو أحزاب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين»، و «الوفد» و «التجمع» و «الناصري» و «الجبهة الديموقراطية» و «الكرامة» و «الجيل» و «مصر الحرية» (تحت التأسيس)، و «النور» و «الغد» و «العمل» و «العدل» و «مصر العربي» و «الحضارة والتكنولوجيا» (تحت التأسيس) و «الحضارة» (تحت التأسيس) و «جبهة ائتلاف أحزاب الثورة» و «التوحيد العربي» (تحت التأسيس) و «التكافل». وقال العضو المؤسس في حزب «مصر الحرية» الدكتور عمرو حمزاوي ل «الحياة» إنه يؤيد المسار الذي أسفر عنه الاستفتاء، وهو تأييد غالبية الشعب لإجراء الانتخابات أولاً، مشيراً إلى أن «أسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن تتراجع عن نتائج تجربة ديموقراطية في بداية عهدك بالديموقراطية». وأضاف أن «هناك شرعية لمسار الانتخابات أولاً، لكن هناك هواجس لدى دعاة الدستور أولاً، ومن ثم توصلنا إلى حل توافقي بالاتفاق على المبادئ الحاكمة للدستور، من خلال إقرار وثيقة التوافق الديموقراطي». وأشار إلى أن «الليبراليين كان لهم دور كبير في إقرار هذه الوثيقة، والاجتماعات ستستمر من أجل تفصيل المبادئ العامة التي تم الاتفاق عليها». وأوضح أنه «تم الاتفاق على تحديد معايير يتم الركون إليها من أجل الاختيار الرشيد لأعضاء اللجنة التأسيسية لوضع الدستور بحيث لو أن أتت الانتخابات بالإسلاميين، فإننا نضمن تمثيلاً جيداً لليبراليين في هذه اللجنة». وأضاف: «لا بد من أن نجتهد في معايير الاختيار والمبادئ الحاكمة للدستور من أجل التغلب على أزمة الدستور أولاً... لكن لا بد من أن يكون هناك ضامن للاتفاق على هذه المعايير والمبادئ، وهو إما المؤسسة العسكرية أو القضاء أو كلتا المؤسستين». وأشار إلى إمكان إرجاء الانتخابات البرلمانية لفترة محدودة، قائلاً: «يمكن أن تجرى الانتخابات في نهاية العام لأن الوضع الأمني لا يسمح، كما أن قانون الانتخابات يخضع الآن للمناقشة من قبل التحالف ونتجه إلى تبني النظام المختلط مع إعطاء ميزة أكبر للانتخاب بالقائمة، ما يضمن تمثيلاً أوسع للأحزاب والقوى السياسية ويمنع اختراق المال والعصبيات وفلول النظام السابق». وقال القيادي في «الإخوان» الدكتور محمد البلتاجي ل «الحياة»: «نكاد ننتهي مع عدد كبير من الأحزاب والقوى السياسية من مناقشة ضمانات من شأنها إعادة الثقة بين مختلف الأطراف من خلال وثيقة تضم المبادئ الحاكمة للدستور وقانوناً انتخابياً يضمن تمثيلاً أوسع للأحزاب». وأضاف: «قطعنا شوطاً كبيراً في هذا الاتجاه ونتجه إلى الانتخابات بعد أن تمت إزالة كل عوامل القلق والخوف، وبدأنا نبحث في سبل الوصول إلى برلمان يعبر عن كل مكونات الوطن واختيار لجنة تعبر عن كل الأطياف لوضع دستور يعبر عن الشعب كله». لكنه رأى أن «النقاش المفصل للنقاط التي تضمنتها وثيقة المبادئ الحاكمة للدستور يجب أن يظل من مسؤوليات لجنة صياغة الدستور التي سيختارها البرلمان». وعن الاتفاق على معايير مسبقة لاختيار أعضاء اللجنة تضمنها القوات المسلحة أو القضاء، قال: «الأمر ليس مرفوضاً ولكن أيضاً ليس مفروضاً... الخلاصة أننا انتقلنا إلى مربع التوافق حول السير إلى الانتخابات أولاً». في غضون ذلك، وجهت جماعة «الدعوة السلفية» انتقادات حادة إلى أصحاب الدعوات المطالبة بوضع الدستور أولاً. وقالت في بيان إن «جموع الشعب المصري لن تسكت على محاولات كتابة الدستور أولاً من قبل نخبة غير معبِرة عن إرادة الأمة لصياغة دستور علماني ليبرالي يفرض على الشعب». ورأت أن «الاستجابة لمطالب هذه القلة، نقض للشرعية التي اكتسبها المجلس العسكري والحكومة المعينة ودفع للبلاد إلى الفوضى وللاقتصاد إلى الانهيار». في غضون ذلك، قُتل ضابط شرطة ومجند وجُرح اثنان آخران في هجوم مسلح استهدف فجر امس مصرفاً في مدينة العريش شمال سيناء. وقال شهود عيان إن ملثمين يستقلون شاحنتين صغيرتين بلا لوحات معدنية ودراجتين بخاريتين فاجأوا عناصر الشرطة بإطلاق الرصاص عليهم من اتجاهات مختلفة لبضع دقائق، قبل أن يفروا.