المسلمة التي تدعمها الأدلة العقلية والنقلية وإجماع البشر في كل الطوائف والديانات أن الله ليس في حاجة عبادة خلقه له، غير أنه يأمرهم بها ويحاسبهم إذا أراد وحده عليها لحكم قد يجهلونها أو يعرفونها، وتمر بنا مواسم من حكمها وضوح الأثر التربوي والاجتماعي والاقتصادي علينا ونحن نمارس العبادة لتغيرنا دوما للأفضل، غير أنها ربما تأتي عكس ذلك للأسف. كتبت هنا قبل أكثر من ثلاث سنين عن غياب ثقافة الابتسام والتسامح، وأثر بيئتنا الجافة على تكويننا النفسي، وعدم سعينا للتغيير برغم توفر فرصه الواحدة تلو الأخرى ولكننا نفرط فيها الواحدة تلو الأخرى كذلك، ومن هذه الفرص شهر رمضان حيث الإيثار والصدقات والإحساس بالآخرين وإشاعة الفرح في نفوسهم. ألا نبدو في رمضان أسرع غضبا وأكثر تجهما وأكبر تقطيبا وأبعد ابتسامة ؟!!!!! لماذا لا يبتسم رجل المرور؟ جاء هذا السؤال أو نحواً منه في مداخلة ظريفة وصادقة لأحد المتصلين بإحدى القنوات الفضائية وهي تستضيف مدير عام المرور السابق، كانت إجابة الرجل لا تقل ظرفاً وصدقاً عندما أوجز الإجابة في أن رجل المرور هو أخي وأخيك وقريبي وقريبك وربما خرج من بيتي وبيتك وبيت جاري وجارك، ثم ليس هو رجل المرور وحده الذي لا يبتسم، موظفو المحاكم والمدارس وبقية الدوائر والمصالح الأخرى كذلك لا يبتسمون، كلنا يا أخي لا نبتسم. الأكيد أن رجل المرور عينه ممثلة في شريحة من المجتمع لا تبتسم، أما لماذا ؟ فلعل البيئة أو غيرها من الموروث السلبي الذي يعيب الابتسام من الأمثلة الشعبية وسواها، أو قد تكون درجة الرضا الوظيفي دون المأمول، غير أن ذلك كله يتجاهل مجموعة من الدراسات التي أثبتت حقيقة أن لإشاعة الفرح والابتسام دوراً مهماً في خلق مجتمع سليم وصحيح البدن والنفس مقبل على الحياة، منتج للحضارة، مطور لها. نحن الآن نعيش زمناً تنموياً ذهبياً ولابد أن نتدارك ما فات فيه ونستغل فرصه بأن يتناسب البناء المادي والتنموي للحياة مع البناء الفكري والنفسي للإنسان، فلنتسامح ولننشر الابتسام وقيمته وقيمه في طرقنا وأماكن عملنا، أليست ابتسامتك في وجه أخيك صدقة؟ وأليس الله ليس في حاجة أن يترك المرء طعامه وشرابه كما قال سيدنا الحبيب في كلمات نحوها؟ قال مرهف مبتسم ذات احتجاج على غياب فرح: قال: السماء كئيبة، فتجهّما قلت: ابتسم، يكفي التجهّم في السما.