ما زلنا نردد جملة «الربيع العربي» إشارة إلى الثورات العربية ولا أدري لماذا لا نتوقف عن تكرار هذه المفردات التي لم نجد ما يؤيدها على الأرض، فكل ما نراه حتى اليوم هو مخاض عسير ولا ندري متى تتم الولادة، في اليمن وسوريا ما زالت الدماء تنزف والقلوب والعقول عليها ران وصدأ فلا تتفتح ولا ترق ولا تعقل، فأصبح من كانوا قادة في يوم ما مثالا للتحجر العقلي بل إلى الغباء أحيانا.. وفي مصر انتهى زمن الفساد ليحل محله زمن فساد من نوع آخر، فلا أحد في مصر يسمع الآخر فالبعض يطالب بمطالب شتى يريد تحقيقها اليوم وليس غدا، والآخر يواجهه بالمطالب التي تخصه وما فيهم من يسمع الآخر، اقتصاد يتهاوى وحناجر تصرخ بالحق وبالباطل، وكل يريد أن يؤوب بالغنيمة، وخير مثال على ذلك أن تتابعوا حلقة من برنامج ناس بوك الذي تقدمه الأكثر صراخا هالة.. فالضيوف في البرنامج في «لجة» مستمرة لا هي بالاختلاف ولا هي بالجدال، فينتهي الحال كما بدأ في كل حلقة ويختمون بأقوال لم نر آثارها حتى اليوم «كلنا بنحب مصر وكلنا عاوزين الخير لمصر وفي مصر اتحد الهلال والصليب) وما هذه إلا جمل تتكرر صوتيا بلا فعل.. وفي ليبيا وتونس العراك أقل حدة بين من يتحدثون عبر خطاب ديني ومن يسعون للعلمانية ولكنه في النهاية يجعل الشعب كمن يقيم على صفيح ساخن لا يدري متى يثور!! أي ربيع هذا؟ فما زلنا في خريف تتساقط فيه الأوراق بعضها اصفر لونه وبعضها سقط رغم نداوته وخضرته الجميلة، بل مازلنا في شتاء جمد الدماء في العروق، فلا تطور ولا معالجة للحالة لأن الجميع يريد أن يكون له النصيب الأكبر في الذبيحة وليس الكعكة، لأن الكعكة جميلة المنظر طيبة المذاق لكن الذبيحة ما زال لحمها حارا ودماؤها تسيل وبحاجة إلى تنظيم وتنظيف وإعداد وطبخ. ما بالنا لا نحسن أن نصنع شيئا في هذه الأجواء؟، ما بالنا نحن العرب نهيج كالثيران فلا نرى حتى فريستنا، ما هذه الأنانية والأحقاد التي تفترس كل جميل، ما هذا الشتات الذي جعلنا نخرج من الزمهرير إلى ربيع مضروب فاسد فلا أرض اخضرت ونمت ولا دفء يهدئ انتفاضتنا التي ندعي أنها للحق ومن الحق وإليه!!؟. [email protected]