اتفق الحجاج في كل شيء، وتوحَّدوا لباساً وهدفاً ووجهة، الكل تقاطر لصعيد الله الطاهر ملبِّين ومهللين ومكبرين، متمنين القبول وراجين المغفرة، مسرورين بالحج العظيم، قد بدت البسمة على محياهم، وظهرت ملامحها في الوجوه، لينالوا رحمة ربهم ومغفرته، وليعودوا كيوم ولدتهم أمهاتهم كنقاء الأطفال، وقد نفضوا الذنوب، وغسلوا خطاياهم، كما يُغسل الثوب الأبيض من الدنس، فَسَمَتْ ابتسامة الرضا في الجباه، وغرقت المآقي بالدموع فرحاً وسروراً. ولكن يبدو أن هناك من هو أكثر ألقاً وفرحاً وسعادة بهذه العبادة العظيمة، هم أطفال الحج أتوا يرسمون لوحات الفرح البريئة بنسيج النقاء والصفاء والطهارة. الأطفال في الحج.. زينة الدنيا وبهجتها، قدموا مع ذويهم ليشاركوهم فرحتهم بإتمام الركن الخامس من أركان الإسلام، وإذ بهم يَفْرشون الصعيد ببسماتهم، وينثرونها بين الحجاج، لتزهو ملامح الرضا، وتغدوا قوافل الحجاج واحة فيّاضة بالحب والرحمة. تتعدّد صور ابتسامة الأطفال البرّاقة في الحج، وتختلف مواقفها وظروفها، إلا أنها توحَّدت شكلاً ومضموناً، فالبسمة هي المرافق الرئيسي لهم راجلين وراكبين، أو محمولين على الأكتاف وعلى العربات الصغيرة، في تعبير أنه لا شيء أصدق من الابتسامة للتعبير عن الشعور بالسعادة وما يُكنه الفؤاد من شعور صادق، منبعه قلب خافق بذكر وحب بأحاسيس دفاقة، ودموع تملأ أحداق العيون فرحاً بما أنعم الله به على ضيوف الرحمن بإتمام فريضة الحج. فالابتسامة لغة أحسَّها حجاج بيت الله الحرام وعاشوا لحظاتها بين المشاعر المقدّسة في انعكاس لنجاح موسم حج هذا العام 1432ه. تراهم يبتسمون تحت أشعة الشمس الدافئة وهم يفيضون إلى عرفات، ملبين أمر الله، ويدلفون إلى مزدلفة طائعين أوامره، ليختموا حجهم برمي الجمار في مشعر منى. الكل يبتسم حتى ذلك الطفل الصغير في شهوره الأولى.. لا لشيء إلا أنه رأى والديه تعلوهم ابتسامة الرضا والتفاؤل بالقبول وإن خالجه التعب.