الشعوب العربية مسلمة، وهويتها وإن غيّبت عن السطح فترة من الزمن لدى بعض الدول؛ متخذة شعارات غربية أو شرقية، ولكنها كانت كالجمر تحت الرماد، استطاعت بعض الأنظمة القمعية أن تغطيه بسلب الحريات، والتضييق على الملكات الدافعة والمنتجة، ولكن الريح العاصف التي انطلقت من تونس الخضراء، لم تقف حتى كشفت هذا الرماد تماماً، فتبعثر معه الخوف من الظلم والاستبداد، وإذا كان الوهن هو الذي يعرفه الرسول «صلى الله عليه وسلم» بحب الحياة وكراهية الموت، فإن هذا القناع قد تمزّق فعلاً، ولم يعد للموت ما يكره من أجله؛ فإن الخائف لا حياة له أصلاً. عن ماذا تبحث الشعوب؟ عن (النهضة) في تونس وخصوصية نظرتها التي قد لا يلتقي جزء منها حتى رفقاء دربها؟ أم عن (الإخوان) في مصر وأجندتهم التي انتُقد بعضها حتى من بعض أقلام الذين كانوا منضوين تحت مظلتها الفكرية وغيرهم كثير؟ أم عن توجّهات كانت بعيدة عن التفاعل السياسي حتى وقت قريب؟ أم عمن لم تنكشف هويتهم الفكرية حتى الآن في إحدى الدول...؟ لا.. الشعوب الثائرة لا تبحث عن أي من هؤلاء تحديداً، ولكنها تبحث عن هويتها الإسلامية التي بتغييبها غابت العدالة عن تلك الديار، واختيارها أياً من هذه التيارات من خلال صناديق الاقتراع هو اختيار لمن يحمل تلك الهوية، دون الإيمان بكامل تصوّرها بالتأكيد. تلك الشعوب تعبت من التهميش، وذاقت ألواناً من الفقر والاستبداد والفساد الإداري والسياسي، ولم تجد بُداً من التغيير، هي تريد أن تعيش، تعيش بكرامة وحرية وسعادة فقط، سمعت عن الإبداع والإنتاج فلم تستطع أن تبدع حتى في الاستهلاك، استوردت أنظمتها أفكاراً من كل مكان؛ أدارت بها حياتها، وحكمت بها، لكنها لم تستطع أن تهنأ في ظلها، بل شقيت بها شقاء لا شقاء بعده؛ فرأت أن خيار الإسلام هو خيار الأمن والإيمان معاً. وظلت مملكة الحب هادئة رغم العواصف، يعلن مليكها خادم الحرمين الشريفين في خطاب توليه الملك ثباته على المبدأ، وأن القرآن دستوره، وهو ما تتقطع أكباد تلك الشعوب شوقاً إليه، ويقرأ ولي عهده الأمير نايف بن عبدالعزيز قوله عز وجل: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، وكأنها تتنزل الساعة، ويتبناها في مواقفه الشجاعة، ويؤكد الأمير سلمان بن عبد العزيز خصوصية هذه البلاد مفنداً كل الدعاوى المؤدلجة، فهي مأرز الإسلام، وعنوان الأمان، وحامية الحرمين الشريفين، وحاضنة المصحف الشريف، ورافعة لواء السنة النبوية، والمدافعة عن مقام التوحيد العظيم، والمعلنة حكمها بشرع الله تعالى، منَّ الله عليها بالأمان الاقتصادي، ليكون رافداً قوياً لأمنها السياسي والاجتماعي، فتحت أبوابها للجميع، وتبنَّت مواقف ثابتة من القضايا المصيرية للأمة، وسعت لوقاية البيت العربي والإسلامي من التصدُّع، وجعلت همَّها رفاهية المواطن، وأمن المقيم، غير ناظرة إلى جنسيته أو حتى ديانته، فهو إما مسلماً وافداً، وضيفاً كريماً، وإما غير مسلم معاهد، له حق حفظ ضروراته الخمس، وله أن يأخذ حقوقه كاملة غير منقوصة، على أن يؤدي كل واجبه، ويحفظ الحدود، ولا يسيء الجوار.. تلك أوتاد الأمان، ومفاتيح الحب بين الرعاة والرعايا، والعدل أساس الملك. إن تمسّك قادة هذه البلاد بالإسلام عقيدة نشأوا عليها بين يدي الملك المؤسس عبدالعزيز، رحمه الله، وليس للاستهلاك المحلي كما يقول أميرنا في الأحساء الأمير بدر بن محمد بن جلوي آل سعود، ولكنه لباس لبسناه، كما سمعت الأمير نايف يقوله في مكتبه، ولن نخلعه نحن الشعوب المسلمة أبداً حتى تنخلع أرواحنا من أجسادنا، وكل الأطروحات المعارضة له سوف تندثر تحت أقدامه الذي لا يحدّه حد؛ لأنه إلهي النبع، إلهي الانطلاقة والمسير، وإلهي التحقق، ولن يكون إلا ما أراد الله «جل جلاله».