(وغابت شمس ليبيا)... (العالم يبكي حزناً لفقد أبرز قادته).. (الألم والحزن يعتصران كل بيتٍ ليبي على فقدان الأخ العقيد)... (وداعاً أيها البطل وداعاً يا معمر) لست خبيراً بكتابة المانشيتات الصحفية ولكن قد يكون لهذه المانشيتات أو ما يشابهها مكان في صدر الصفحات الأولى للجرائد الليبية لو قدّر لمعمر القذافي أن يحكم ليبيا حتى وفاته، وأن يحتفظ بلقب ملك ملوك أفريقيا حتى موعد قبض روحه، وحينها سيوصف بكل الصفات التي لا يملكها، فسيوصف بالرحمة والعطف والحنان والتواضع والذكاء والدهاء وبالحكمة وبغيرها من عظيم السجايا وأسمى الخصال. إن ما جرى قبل أسبوعين في يوم الخميس بالمشهد الأخير لمسلسل العقيد معمر القذافي أظهر الصورة الحقيقية لما يُكنُّه الشعب الليبي لهذا المجرم الطاغي، أبرز للعالم أجمع أن هذا الشعب الذي كان يصوَّر بأنه يعشق قائده ويهيم في حُبّه ويُجله ويحترمه إنما يعاني عذاباً وألماً وقهراً من جرائم العقيد وتسلط نظامه. لقد كانت الشهور القليلة الماضية كافية لإظهار الكمِّ الهائل من الفظائع والجرائم التي ارتكبها معمر وأبناؤه ونظامه الفوضوي، وكان آخرها ما وجد من جثث لمعارضين محفوظاً في ثلاجات مستشفى بمدينة الزاوية منذ العام 1984م. لست خبيراً بكتابة المانشيتات الصحفية ولكن قد يكون لهذه المانشيتات أو ما يُشابهها مكان في صدر الصفحات الأولى للجرائد الليبية لو قدّر لمعمر القذافي أن يحكم ليبيا حتى وفاته، وأن يحتفظ بلقب ملك ملوك أفريقيا حتى موعد قبض روحه، وحينها سيوصف بكل الصفات التي لا يملكها، فسيوصف بالرحمة والعطف والحنان والتواضع والذكاء والدهاء وبالحكمة، وبغيرها من عظيم السجايا وأسمى الخصال.وكانت كافية كذلك لإظهار مدى العتاهة والجنون الذي يصبغ تصرُّفات هذا الإنسان من جولات تفتيش مفاجئة بالشوارع على المتسوّلين إلى نظرية عالمية ثالثة مروراً بقرار وضع صورة لحذاء على شاشة التليفزيون الرسمية، مثل هذه التصرُّفات كانت تظهر في وسائل الإعلام الليبية الرسمية كعلامات للصفات الخارقة التي تميّز هذا القائد عن سواه من قادة العالم، تظهر وتلمع كأدلة على قائد وزعيم يتمنى كل شعوب الأرض لو كان قائدهم يحمل بعض هذه الصفات. كل ذلك الزيف والتضليل يظهر في جوٍّ فاسدٍ خانق بغبار الظلم والاستبداد، ولهذا يصعب أن يلمع نجم انسان فاسد ومعتوه ليصبح البطل المخلص في جو مفتوح لحرية التعبير ويسمح بتعدُّد الآراء. أما في ظل أنظمة القهر والبطش فإن عدم إبداء حُبك للقائد وتعظيمك له هو بحد ذاته جريمة يعاقب عليها ليعيش الشعب في ظل محاكم تفتيش مستمرة وقائمة يعاقب من خلالها الفرد، فيصبح مجرد خروج رأي آخر مخالف كافياً لزعزعة كل منظومة الاستبداد والبطش والقهر، وكافياً لأن يلغي كل مصداقية من الممكن أن تصبغ بها كلمات التبجيل والمديح لسيادة القائد المظفر ونظامه المسدَّد. ولهذا يصبح أي خروج لمسيرات ومظاهرات مؤيدة للرئيس نوعاً من التهريج المُضحك طالما تبيَّن للجميع أن الجميع لا يُحب الرئيس ولا يريد بقاءه، وهذا ما يحصل على سبيل المثال في سوريا ناهيك عن أن المسيرات المعارضة وذات الرأي الآخر تواجه بالرصاص والدبَّابات، والمسيرات المؤيِّدة تحظى بالتغطية الإعلامية وبالترتيب والتنسيق والحماية في حين يتعرَّض كل من يخرج في مسيرة سلمية تحمل رأياً مخالفاً للقمع والاعتقال. إن من يثق بحب الناس له ويثق بعمله وبما قدَّم لشعبه لن يحجب رأياً ينتقده.