اختتم قبل أيام معرض الفنان التشكيلي والناقد أسعد عرابي وأطلق عليه (حنين) وأقامه في قاعة (أيام) بدبي تستعيد أعمال المعرض هيئة وروح وشجن أم كلثوم 1898-1975 ، ويختص بمشهد بانورامي لأعمال لم تتجاوز الخمسة عشر لوحة من القياس الكبير لسيدة الغناء العربي مصحوبة بفرقتها الموسيقية، وينوع الفنان على المشاهد بحلوله الفنية ذات التشخيص التحديثي. وخرائط التعبير الدرامي الذي يحيلنا إلى صورة أجيال النهضة العربية، إلى عصر الأغنية العربية الذهبي، خرائط فنية تشي بصور تذكارية للسيدة ولمحمد القصبجي وكرسيه المقلوب وللفرقة الموسيقية بأبرز رجالاتها، فالإيقاع الفني والمعالجات التعبيرية لحركة الآلة الموسيقية أو الإنفعالات الإنسانية التي تبديها وجوه العازفين تشير إلى الحالة الوجدية لعرابي وهو يعالج مشهده المتدفق صبوا» لم يخب أوار حرائق أم كلثوم الذوقية أثناء حياتها فقد نذرت موهبتها ورهافة رفيف حساسية حنجرتها، واستمرت أصداء تجربتها تكلثم غناء القرن العشرين عند العرب» تتعانق كلمات أسعد عرابي ولوحاته وهو يكتب أو يرسم الحالة المسرحية التي يدوزن بها إيقاعاته الفنية. شكل الفنان أسعد عرابي حضورا بارزا في عدد من الملتقيات العربية والأجنبية مثل بينالي القاهرة وبينالي الشارقة وعدد كبير من المناسبات العربية بجانب إسهاماته النقدية المنشورة في الإعلام العربي والأجنبي . علاقات عناصره وفضاءاته وتلويناته مفتوحة على كل التأويلات يربطها تأكيده التقديمي بأن أم كلثوم» كائن مسرحي تموج في مساحة كبيرة من الفراغ متقدمة ومتأخرة مع إشارات التهليل والابتهال الروحي تتراقص أقراطها البيضاء الضخمة متناغمة مع تمايل المنديل الحريري الأبيض، ترفل في رداء بلاطي احتفائي مرصع بالأحجار الكريمة خاصة القلادة البيضاء... ، يغلب على ثيابها اللون الفيروزي مثله مثل خاتمها الضخم من الفيروز الذي لا تخلعه أبدا» .. يواصل عرابي وصف الحالة وهو حال أعماله في بلاغاتها التعبيرية وانفعالاتها» تشتد قوة تعبيرها في سلوك أنامل يدها اليسرى ويختلج كامل جسدها يتراجع ويتقدم في الفراغ بما يناسب رفيف الجملة الموسيقية يملك وجهها طهرانية وطفولة وأنوثة طاغية يقع في تعبيره بين تسامح الزهاد وتقطيبة الفراعنة» هو هنا يؤكد ما رسمه أو أنه يعود ليؤكد ما كتبه، يشير بالمقابل إلى أنه عندما يصور من الذاكرة تسقط بعض من اكسسوارات رمزية وأنه لم يرسم مثل بروش الهلال على وضوح رسمه ولونه في الأصل لأنه كما يشير، يترجم مناخها الروحي أكثر من الوصفي، هذه حقيقة المعرض فالأعمال لا تشي إلا بحالة تعبير مستعاد إلى ذاكرة موسيقية ارتبط بها مبكرا من حياته الدراسية (المرحلة الثانوية1957) عندما قضى عاما دراسيا في المعهد العالي للموسيقى بدمشق، وعزفه الدائم لأغنية (عودت عيني) ومن ذلك الحين كان يقينه بأنه لو لم يكن رساما لكان موسيقيا. شكل الفنان أسعد عرابي حضورا بارزا في عدد من الملتقيات العربية والأجنبية مثل بينالي القاهرة وبينالي الشارقة وعدد كبير من المناسبات العربية بجانب إسهاماته النقدية المنشورة في الإعلام العربي والأجنبي، بالإضافة إلى مؤلفاته التي تعنى بالفن التشكيلي العربي على الأخص وآخرها (صدمة الحداثة في اللوحة العربية) الذي صدر قبل عامين أما معارضه الفنية فقد استضافتها عدة بلدان أجنبية وعربية، ومعرضه حنين تجربة جديدة في مسيرة الفنان تستعيد بريقا ونهضوية عربية وحداثة تعبيرية تنحو إلى التشخيصية المحدثة تحمل دلالاتها العربية وأصالتها وفق تفرد شخصية عرابي، . أهمية أسعد عرابي تكمن في إبداعين متواكبين هما نصه البصري ونصه النقدي، جانبان متوازيان في مسيرته الإبداعية، وهو الذي درس في كلية الفنون الجميلة بدمشق ودرّس فيها1975-76 ثم درس في السوربون بفرنسا وحصل على دكتوراة دولة في علم الجمال1987 .