يخرج الكاتب اللبناني رشيد الضعيف في روايته «تبليط البحر» عن نمط كتاباته السابقة ليقدم لنا رواية تاريخية تستند الى وقائع وأحداث حقيقية ويمتزج فيها الواقعي بالخيالي. وقد استطاع رشيد الضعيف في هذه الرواية ان يحقق أمرا مهما وهو السرد الجذاب الذي يشد بالقارىء إليه فلا يترك الرواية إلا اضطرارا. ثم ان الكاتب قد وفق في كتابة التاريخ ادبيا بطريقة تجعل القارىء يحس في غالب الرواية بأنه يعيش أحداث الرواية فعلا. في الرواية عرض حي من خلال الأشخاص لفترة من تاريخ لبنان عامة وتاريخ بيروت السياسي والاجتماعي والثقافي وتطور الحياة فيها. بطله تقوم بينه وبين جرجي زيدان صداقة وزمالة تستمر طويلا الى ان يفترقا بعد ان نزل زيدان في مصر من السفينة التي كانت تقل بطل القصة الى الولاياتالمتحدة ليدرس الطب بعد ان درسه سنتان في الجامعة الامريكية في بيروت التي كانت تعرف في تلك الايام باسم الكلية الانجيلية السورية. ويعرض الكاتب مشكلة تأمين الجثث للتشريح في قسم الطب في الكلية وانتشار سرقة الجثث واضطرار كثيرين الى التضحية - سرا طبعا - بتقديم جثث أعزّاء رحلوا، وذلك من اجل خدمة العلم وخدمة الوطن.. والخدمة الأخيرة شدد عليها الكاتب في مراحل عديدة من الرواية. ويتحدث عن الأزمة التي عرفتها الجامعة الامريكية بسبب موضوع نظرية داروين.. لكن المتعة التي تقدمها الرواية جاءت الى حد ما على حساب رسم الشخصيات الرئيسة رسما كاملا عوضا عن التركيز على جوانب منها خاصة في شخصية البطل. استند الكاتب الى مصادر ومراجع عديدة من اجل معلومات روايته وإن لم يشر الى اي منها. الرواية التي جاءت في 207 صفحات متوسطة القطع صدرت عن دار رياض الريس للكتب والنشر في بيروت، وتبدأ بالحديث عن فتنة عام 1860 في جبل لبنان واضطرار سكان كثيرين الى النزوح هربا من الاقتتال والمذابح الطائفية. قراءة ممتعة دون شك. ويبدو أن رشيد الضعيف الكاتب الناجح، نادرا ما جاء بسرد خلاب دافئ مماثل لسرده في هذه الرواية في اعماله السابقة المميزة..