مازال التركيز مستمرا من قبل كثير من المسؤولين على المبادرات المتعلقة بتنشيط الأعمال الصغيرة والمتوسطة، بهدف زيادة الفرص الوظيفية للمواطن وايجاد بدائل للوظائف التقليدية والمساهمة في تقليل أزمة البطالة المتفشية بين الشباب السعودي. هذا الاهتمام كان مبنيا في الغالب على قناعات راسخة بأن كل اقتصادات العالم المتقدمة تعتمد بشكل أساس على الأعمال الصغيرة والمتوسطة في تنمية اقتصاداتها وفي توفير الوظائف الجديدة، وستسمع في غالب الأحيان عن أرقام براقة بهذا الخصوص، كالقول : إن الأعمال الصغيرة والمتوسطة تشكل أكثر من 60 بالمائة من الاقتصاد الأمريكي، أو أن غالبية الوظائف التي وجدت في أوروبا كانت من خلال الأعمال الصغيرة والمتوسطة وغيرها من الإحصائيات، لكن السؤال الذي يجب أن يسبق كل هذه الاحصائيات الجذابة، التي قد تدفعنا لوضع كل ثقلنا خلف دفع الأعمال الصغيرة والمتوسطة محليا، هو : ما تعريف الأعمال الصغيرة والمتوسطة في أوروبا وأمريكا ؟ في أوروبا عدد الموظفين حسب التعريف المعتمد للاتحاد الأوروبي في الأعمال الصغيرة والمتوسطة يصل لمائتي موظف في المنشأة. أما في أمريكا فيصل هذا الرقم ل «1500» موظف في القطاعات الصناعية، وما معدله 500 موظف في أغلب القطاعات الأخرى، أو مبيعات تقل على 7 ملايين دولار (26 مليون ريال). إن منشأة يعمل فيها 1000 موظف هي منشأة كبيرة في العرف المحلي، بل حتى منشأة يعمل فيها 200 موظف هي كبيرة في نظر الغالبية العظمى من المتخصصين لدينا، فمائتا موظف لن تقل رواتبهم لو افترضنا أن المعدل 3000 ريال عن 7 ملايين ريال سنويا.إن منشأة يعمل فيها 1000 موظف هي منشأة كبيرة في العرف المحلي، بل حتى منشأة يعمل فيها 200 موظف هي كبيرة في نظر الغالبية العظمى من المتخصصين لدينا، فمائتا موظف لن تقل رواتبهم لو افترضنا أن المعدل 3000 ريال عن 7 ملايين ريال سنويا، ومبيعات هذه المنشأة لن تقل في الأوضاع الطبيعية عما بين 1020 مليون ريال سنويا، فهل هذه منشأة صغيرة أم متوسطة بالعرف المحلي؟ لا أعتقد ذلك. مقابل كل ذلك نجد غالبية المبادرات تركز على دعم المنشآت الصغيرة، بل الصغيرة جدا.. فمبادرات كصندوق المئوية وعبد اللطيف جميل لا تمول أكثر من 400 ألف ريال، وهي تكفي لمنشأة صغيرة جدا قد لا يتجاوز عدد موظفيها خمسة، وعلى الأرجح غالبيتهم من الوافدين، وهذا الحجم من المنشآت سينافس في سوق متشبعة جدا بسبب مزاحمة العمالة الرخيصة لهذه القطاعات الصغيرة، وبالتالي فإن نسبة الفشل مرتفعة والإضافة الاقتصادية منخفضة أيضا، لذلك فإن التركيز يجب أن يكون منصبا على المنشآت الأكبر حجما خاصة في القطاع الصناعي، التي لن يقل رأسمالها عن 5 ملايين ريال، فهذه المنشآت ستوفر فرصا وظيفية أكبر. كما أنها ستكون إضافة حقيقية للاقتصاد المنتج المستدام.