في سؤال ل(اليوم الثقافي) لبعض الشعراء خاصة ممن يجيدون لغات أخرى غير العربية: هل اثار خبر فوز الشاعر السويدي دهشتك؟ قالت الشاعرة بديعة كشغري: فوز ترانسترومر لم يكن موضع استغراب لدي لما تتميز به مسيرته الشعرية المعمقة من صدق أدبي وترجمات جدية أدت إلى قراءات هامة له خارج حدود جغرافيته وثقافته. لقد استطاع توماس أن يؤسس لأسلوب شعري خاص يتميز بالبساطة الأسلوبية مع الصور الفنية المكثفة التي تشعر -حين تقرؤها- انها تلامس عمقا ما في ذاتك السحيقة كقوله: « أنا محمول في ظلي/ مثل كمنجة/ في حقيبة سوداء» قدرته على تطوير لغته التعبيرية وبأسلوب لا ينطلق من مغامرات لغوية: لقد قرأت الكثير من أعمال ترانسترومر مترجمة الى الانجليزية وكنت أقف دائما عند قدرة هذا الشاعر العجيبة على استخدام الصور المكثفة والمدهشة في تشكلاتها السوريالية في الوقت الذي لا تجعلك تنفصل عن الواقع بل تربطك بعالمك الحقيقي بكل خصائصه المتمثلة في (الطبيعة وانعكاساتها وفي عمق الذات الإنسانية وسيكولوجيتها بين الشك واليقين، وبين الكينونة والصيرورة) كما ان من خصائص شعر توماس قدرته الخلاقة على «التصوير» أو سياق الصور الحية المتواترة مما يجعله ينتمي للمدرسة «الإيماجستية» أي مدرسة الصور وقد قيل عنه انه «مولد حيوي لمناظر الطبيعة» وهذا ما يجعل قصائده تشبه قصائد الهايكو أحيانا كقوله: «اتكئ كسلم/ وحين وجهي يصل الطابق الثاني من شجرة الكرز/ أصبح في ناقوس الألوان/ إنه يصدح بضوء الشمس/ وأنا آتي على الحبات الغامقة الحمراء/ أسرع من أربعة غربان..!» وفي قصيدة من أوائل ثمانينات القرن الماضي، يوسع الشاعر منظوره ليشمل فلسفة السوبرمان وهي حركة لا تترك الإنسان متخلفاً كثيراً في الوراء، بل تضع مكانته النسبية في منظور الأشياء والموجودات: استلقي فوق السرير وذراعاي ممدودتان إني مرساة حفرت لنفسها في الأسفل وتمسك بثبات الظل العائم في الأعلى المجهول العظيم الذي أنا جزء منه والذي هو بكل تأكيد أكثر أهمية مني. هكذا كانت أعمال ترانسترومر: لم تتميز بالطول والإسهاب أو توسم بمجلدات ذلك يعود الى مزاج أسلوبيته التي هي في حوار بل.. جدل دائم مع القصيدة ومع اللغة قبل ذلك فهي أشبه ما تكون بومضات خاطفة تحوم حول الأسئلة الكبرى فتضيئها.