القراء الأعزاء.. اسمحوا لي أن أنقل لكم - وبتصرّف - مقطوعة حكيم متناقلة تُغني عن كتاب في موضوعها، وفنّها.. ذلك أن الدرس عندما يأتي على سبيل المثل، أو الحكمة، يقع في النفس موقعه. ويؤثر فيها تأثيراً قد يفوق، أو يفوق الوعظ النثري الكلاسيكي من حيث الفائدة، والتطبيق. "حُكي أن أحد الحكماء أخذ ابنه خارج المدينة ليطلعه على تضاريس الحياة في جوٍ نقي بعيداً عن صخب المدينة، وهمومها.. سلك الاثنان وادياً عميقاً تحيط به جبال شاهقة، وأثناء سيرهما تعثر الطفل في مشيته، وسقط على ركبتيه.. صرخ الطفل - جراء سقطته - بصوتٍ عالٍ مرتفع (آهٍ) تعبيراً عن آلامه، وإذا به يسمع من أقصى الوادي من يشاطره الألم بصوتٍ مماثل: (آه). إن الحياة لا تعطيك إلا بقدر ما تعطيها.. ولا تحرمك إلا بمقدار ما تحرم نفسك منها.. الحياة مرآة أعمالك، وصدى أقوالك.. إذا أردت أن يُحبك أحد، فأحب غيرك.. وإذا أردت أن يوقرك أحد، فوقّر غيرك.. إذا أردت أن يرحمك أحد، فارحم غيرك.. وإذا أردت أن يسترك أحد، فاستر غيرك.. إذا أردت الناس أن يساعدوك، فساعد غيرك.. وإذا أردت الناس أن يستمعوا إليك ليفهموك، فاستمع إليهم لتفهمهم أولاً.. لا تتوقع من الناس أن يصبروا عليك إلا إذا صبرت عليهم ابتداء. نهض الطفل ساعة تناسى الألم قائما، وسارع في دهشةٍ متسائلاً عن مصدر الصوت، وسائلاً: ومن أنت؟ ليأتيه الجواب سريعاً بمفردات سؤاله: ومن أنت؟.. انزعج الطفل من هذا التحدّي فسارعه بسؤال ملؤه الغضب والحنق: بل أنا أسألك من أنت؟.. ومرة أخرى يأتي الرد بنفس الجفاء، والحِدة: بل أنا أسألك من أنت؟.. وبعدما فقد الطفل صوابه جراء رجع الصدى بنفس الغضب والتحدّي.. أطلق صيحاته غاضباً: "أنت جبان".. وبنفس القوة يأتي الرد عليه: "أنت جبان".. إلا إنه وبعد لأيٍ يدرك الصغير أنه بحاجة لأن يتعلم فصلاً جديداً من فصول الحياة من قِبل أبيه الحكيم الذي وقف بجانبه دون أن يتدخّل وهو يتابع المشهد الذي كان من إخراج ابنه، وإعداده، وبعد إدراك الأب حاجة الصغير، وإصراره لأن يتعلم درساً حياتياً مهما جاءت الاستجابة الأبوية الحكيمة فورية دون تراخ ٍمسترعياً انتباه صغيره بحكمة الكبار عبر مشهد تمثيلي تصويري لكي يكون أدعى للفهم، وأسرع في التلقي.. وصاح في الوادي بنغمة يكسوها الوقار: "إني أحترمك".. ليأتي الرد على عبارة الأب وقوراً "إني أحترمك".. دُهش الابن، وتعجّب من تغيّر لهجة المجيب.. وأكمل الوالد المساجلة قائلاً: "كم أنت رائع".. وبهذه العبارة الراقية جاء الرد "كم أنت رائع".. لقد حار الطفل بين الدهشة، والذهول، والعجب، والاستغراب مما سمع، ويسمع؛ ولأنه لم يفهم سرّ التحوّل في الجواب بين نغمته الثائرة، ونغمة أبيه الرقيقة، فقد فضّل الصمت بعمق لينتظر تفسيراً من أبيه لهذه التجربة الفيزيائية الغريبة.. وما هي إلا لحظات حتى جاءه التعليق الحكيم من أبيه الحكيم على كل ما حدث بينهما: أي بني: إننا نسمّي هذه الظاهرة الطبيعية في عالم الفيزياء بظاهرة (الصدى).. وعلّق: لكنها في الواقع هي الحياة بعينها.. وهو الدرس الذي أردتك أن تستقيه مما وقع. أي بني: إن الحياة لا تعطيك إلا بقدر ما تعطيها.. ولا تحرمك إلا بمقدار ما تحرم نفسك منها. الحياة مرآة أعمالك، وصدى أقوالك.. إذا أردت أن يُحبك أحد، فأحب غيرك.. وإذا أردت أن يوقرك أحد، فوقّر غيرك.. إذا أردت أن يرحمك أحد، فارحم غيرك.. وإذا أردت أن يسترك أحد، فاستر غيرك.. إذا أردت الناس أن يساعدوك، فساعد غيرك.. وإذا أردت الناس أن يستمعوا إليك ليفهموك، فاستمع إليهم لتفهمهم أولاً.. لا تتوقع من الناس أن يصبروا عليك إلا إذا صبرت عليهم ابتداء. أي بني.. هذه سُنّة الله التي تنطبق على شتى مجالات الحياة.. وهذا ناموس الكون الذي تجده في كافة تضاريس الحياة.. إنه صدى الحياة.. ستجد ما قدّمت، وستحصد ما زرعت". روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيِه مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ).. دمتم بخير. [email protected]