كثيرا ما يُعول المثقفون، والأدباء، والمهتمون ويراهنون على الرواية. ويشيعون في الآفاق مقولة مفادها أن الزمن الحاضر زمن رواية لا زمن شعر. ويروجون أن أكثر المبدعين الشباب اتجه للكتابة السردية وأن القلة تكتب شعراً. وقالوا إن هذه التحولات من السنن الأدبية التي يشهدها العالم والحضارات، فمثلما سيطرت الملحمة على ذوق المبدع في الزمن القديم واتخذها قالباً يصب فيه كلمات إبداعه، ثم اكتسح الشعر الساحة، ها هي الرواية تسحب البساط وتهيمن على الذوق العصري الإبداعي تاركة الشعر يتوارى في الظل. لكن شهد المسرح الثقافي حدثاً مميزاً هذا الأسبوع، هو: احتفالية نادي الباحة الأدبي بالشعر. واحتفاء الجائزة الثقافية بالشعراء يهز هذه المقولة ويشكك في صحة فحواها.. فما شاهدناه في مهرجان حفل الجائزة الثقافية الذي نظمه النادي ينم عن احتفاء بالشعر واهتمام بالشعراء ليس على مستوى شعراء الداخل فحسب بل تخطاه إلى شعراء من خارج المملكة العربية السعودية استقطبهم المهرجان فأتوا للمشاركة في فعالياته، والاستفادة من مجرياته طوال أيام ثلاثة متتالية ترنمت فيها جبال السروات بقوافي ستين شاعراً. مثلما سيطرت الملحمة على ذوق المبدع في الزمن القديم واتخذها قالباً يصب فيه كلمات إبداعه، ثم اكتسح الشعر الساحة، هاهي الرواية تسحب البساط وتهيمن على الذوق العصري الإبداعي تاركة الشعر يتوارى في الظل. ومنح الجائزة الأولى والثالثة لأبحاث تتعلق بالشعر. ونستشف من وراء تخصيص الجائزة لفن الشعر تحفيزاً للمبدعين الشباب على إحياء هذا الفن الراقي الذي تغنت بقوافيه جزيرة العرب منذ الأزل، وتشجيعاً للمواهب الأدبية ولا سيما الشعرية منها. إضافة إلى احتفاء الجائزة بالأسماء اللامعة والمشهورة. وتخصيص مبالغ ضخمة رصدت للجائزة (الأولى أربعون ألف ريال، والثالثة عشرون ألف ريال) تنفي مقولة دارجة مفادها أن (الأدب ما يوكل عيش) وأن الشاعر إنما يمارس الشعر باعتباره موهبة فقط، ولا يمكن أن يدر عليه ما يعيله ويموله، لذا ينبغي علينا إعادة النظر في بعض الأحكام الجائرة في تعاملنا مع الشعر الذي هو ديوان العرب. فهل يقلب مهرجان نادي الباحة الموازين ويعيد للشعر العربي كثيراً من الاعتبارات؟.ويبقى المرجو والمأمول أن تتتبع هذه الجائزة ما خفي من جماليات الشعر العربي، وأن تفتح مجالاً رحباً للإبحار في شواطئ الدراسات النقدية والمقارنة الأدبية ذات العلاقة بهذه الجماليات.