أصيب المقاتلون الليبيون الذين تقدّموا الى أعماق سرت الاثنين وهم يأملون في ان يتم استقبالهم كأبطال تحرير بخيبة أمل، فقد فرّ كل السكان تاركين وراءهم تذكارات ثمينة لبني جلدتهم القذافي. وسيطرت قوات المجلس الوطني الانتقالي على منطقة بوهادي في سرت وهي من معاقل قبيلة القذافي، حيث يرفض كثير من السكان الانتفاضة التي أطاحت بحكمه المستمر منذ 42 عاماً. لقد كان ذلك أول اختبار حقيقي للهدف المعلن للحكومة الجديدة ببناء ليبيا جديدة من كل الاطياف تحقق مصالحة سلمية بين مؤيدي القذافي ومعارضيهم.وما ظهر بعد ظهر الاثنين يشير الى ان المصالحة ما زالت بعيدة المنال. فلم يشاهد سكان بوهادي.. وقام بعض مقاتلي المجلس الوطني الانتقالي بنهب وتحطيم منازلهم الخالية.وبدا ان الناس في البلدة - وكثيرون منهم أفراد من قبيلة القذافي نفسه - غادروا المكان على عجل.. وفي أحد المنازل التي زارتها رويترز تُركت أكواب ما زال بها الشاي.وفي منزل آخر كانت الملابس مبعثرة على الارض بجوار حقائب نصف ممتلئة.. ويبدو ان أياً من كان يقيم هناك كان يحاول تحضير حاجياته لكن الوقت لم يمهله.وغادر صاحب منزل تاركاً وراءه جواز سفره.. وفي مكان آخر تركت صور زفاف.وكثير من معارضي القذافي كانوا يعتقدون ان سكان سرت يعيشون حياة مترفة ويحصلون على نصيب كبير من ايرادات البلاد النفطية بسبب قربهم من الزعيم الليبي المخلوع.ولا توجد أدلة تذكر على ذلك.. المنازل المهجورة في بوهادي متواضعة من طابق واحد مكونة من غرفتين أو ثلاث غرف وغرفة جلوس بها حصير على الارض حيث تجلس العائلة لتناول الوجبات على الطريقة الليبية التقليدية.غير انه توجد مؤشرات عديدة على ولائهم للقذافي وهو أمر تسبب في غضب مقاتلي المجلس الانتقالي. ورفرفت الاعلام الخضراء لليبيا اثناء حكم القذافي على معظم المنازل بينما تم تغييرها في كل الاماكن الاخرى تقريباً بعلم المعارضين بالالوان الاحمر والاخضر والاسود.وفي أحد المنازل كانت توجد صورة لصاحبه مع القذافي.. والزجاج الذي كان يغلف الصورة كان مهشماً وكان أحد المقاتلين يشير اليه ببندقية كلاشنيكوف.ومنزل آخر بدا انه يخصّ شخصاً كان يشغل منصباً رفيعاً في جيش القذافي. كانت توجد بالمنزل صور كبيرة للقذافي على الجدران.وكانت توجد شهادة عسكرية ممزقة تشكر صاحب المنزل على خدماته لثورة الفاتح التي جاءت بالقذافي الى السلطة.وتسرّب دخان عبر الغرف.. وقال مقاتلو المجلس الانتقالي ان المنزل يخصّ شخصاً كان مقرباً على نحو خاص من القذافي ولذلك أشعلوا النار فيه.وسار المقاتلون بين المنازل المهجورة وهم يصيحون «ليبيا حرة». واحتفلوا بالسيطرة على منطقة بوهادي باطلاق نيران اسلحتهم والمدافع المضادة للطائرات.وأخذ بعض المقاتلين المتعلقات التي كانت بالمنازل. وخرجت شاحنات مقاتلي المجلس الانتقالي من المنطقة محمّلة بالسجاد والملابس. مسجد قرب سرت يتحوّل إلى مستشفى ميداني وفي جانب من مسجد يتكوّن من قاعة واحدة توجد ساعة تظهر التوقيت المحلي وتوقيت مدينة مكةالمكرمة ومجموعة من المصاحف.وفي الجانب الآخر أكثر من عشر محفات علقت بها محاليل وأكياس الدم لاستقبال جرحى قوات المجلس الوطني الانتقالي الذي يحكم ليبيا الآن الذين اصيبوا خلال معركة للسيطرة على مدينة سرت مسقط رأس الزعيم الليبي المخلوع القذافي. لا يرتدي المقاتلون عادة دروعاً تحميهم وأغلبهم مصابون بجروح متعددة ويستقبلهم المركز لوقف النزيف وهو مزوّد أيضاً بأجهزة لعلاج اصابات الصدر التي تحول دون التنفس بشكل طبيعي. وقال نوري المعيري وهو جراح عمره 27 عاماً في مركز ميداني لاستقبال الجرحى على بعد نحو ميلين من وسط سرت: نستقبل مقاتلين بجروح خطيرة لوقف النزيف وتقديم الاسعافات الاولية.وأضاف: نستقبل اصابات في الرأس والصدر والبطن والاطراف.. الاصابات التي تحتاج علاجاً عاجلاً.وكان يتحدث بينما كان مقاتلو المجلس الوطني والقوات الموالية للقذافي يتبادلون القصف بقذائف المورتر والصواريخ على بعد أقل من ميل.ومنذ ان بدأت المعركة للسيطرة على سرت الشهر الماضي ينقل الى المركز ما يتراوح بين 15 و100 شخص يومياً معظمهم مصابون بشظايا قذائف المورتر والصواريخ.ووصلت أحدث مجموعة من المصابين الى المركز بعد ظهر الاثنين.. ونقلت سيارات الاسعاف 12 مقاتلاً مصاباً الى المسجد.ولا يرتدي المقاتلون عادة دروعاً تحميهم وأغلبهم مصابون بجروح متعددة ويستقبلهم المركز لوقف النزيف وهو مزوّد أيضاً بأجهزة لعلاج اصابات الصدر التي تحول دون التنفس بشكل طبيعي.كما يعالج المعيري ومعه فريق من الممرضين المتطوّعين أيضاً الجرحى المدنيين الذين أصيبوا في انفجارات وهم يحاولون الفرار من سرت بالسيارات.وقال المعيري: احدى السيارات أصيبت بقذيفة (ار.بي.جي) وماتت الاسرة بكاملها.. وفي سيارة اخرى كانت هناك أسرة ومعها طفل مصاب بحروق في بطنه.وعدّد الطبيب الجرحى الذين عالجهم ومن بينهم أم مصابة باصابات خطيرة في الرأس وطفلان مصابان بجروح بالغة أحدهما عمره تسعة أشهر والآخر عمره عام ونصف العام.وتحدث عن اسرة مات كل أفرادها وقال: جمعنا اشلاءهم وعثرنا على رأسين فقط.وبينما كان مقاتلو المجلس الانتقالي يتبادلون اطلاق النار مع القوات الموالية للقذافي نقل الى المسجد جندي من قوات الحكومة الليبية المؤقتة وهو شبه فاقد الوعي بعد ان سقط من شاحنة صغيرة أثناء نقله الى الجبهة.وبينما كان راقداً على محفة نظر حوله ليجد حوائط نظيفة مطلية باللونين الابيض والوردي الفاتح وقد زينتها آيات من القرآن بينما كان عشرات من المقاتلين وأفراد الفريق الطبي يستعدون لصلاة الظهر.وقال محمد المبارك وهو طالب طب تطوّع للعمل كممرض في المركز الطبي الميداني ان المرضى يشعرون بقدر أكبر من الهدوء وهم هنا في المسجد.ولا يخلو العمل التطوعي في المركز من مخاطر.. فبدر الديناري وهو طالب في السنة الثالثة في طب الاسنان أصيب بطلق ناري في الكتف بينما كان يعمل مع طاقم سيارة اسعاف في المعركة من أجل بنغازي في شرق ليبيا في مارس. وقال الديناري بينما كان يستريح خارج المسجد وقد تصاعدت اعمدة الدخان فوق سرت وسط المعارك المتقطعة: لم يكن أمامي خيار سوى التطوع.. كان لابد أن أفعل ذلك من اجل ليبيا.