في الأسبوع قبل الماضي أتحفني صديقي الأستاذ الأديب عبدالفتاح أبو مدين رئيس النادي الأدبي الثقافي بجدة (سابقاً) بهدية ثمينة هي كتاب (ألف صفحة وصفحة من الأدب والنقد) وكتاب (أيامي في النادي) وقد طرز طرة الكتاب الأول بإهداء ينمُّ عن حِس أدبي أصيل وذوق وحصافة في التعبير، جاء نصه كما يلي: أخي الأستاذ/ عبد الله الشباط.. (سلمه الله).. أقول: رُبّ يوم من تلك الأيام والجهاد فيها عبر صحافة كانت رسالة ولم تكن (تجارة) صحافة وطن وحب، وعمل صادق لا ينسى تقبّل تحيات أخيك في 17 رمضان 1432ه. تسلمت هذا الكتاب بل الضوء الذي أنار لي جوانب من تاريخي وتاريخ الصحافة عندما كنت أطبع جريدة (الخليج العربي) بمطابع دار الأصفهاني بجدة عام 1377ه وكنت اضطر أحياناً للمبيت في جدة لتصحيح الطبعة الأولى في المطبعة وكانت القاعة التي يجتمع فيها المصحّحون لا تخلو من بعض هؤلاء، وعلى رأسهم الشيخ أبو تراب الظاهري والشاعر طاهر زمخشري «يرحمه الله» مؤسس مجلة الروضة للأطفال، والأستاذ/ عبد الغني قستي، ومحمد سعيد باعش، ويلمّ بنا أحياناً بعض الأدباء عبدالغني أشي، ومحمد الربيع وغيرهما من الأدباء في ذلك الزمن الجميل الذي كانت فيه الصحافة قيمة ورمزاً وشعاراً للوطنية ومستودعاً للثقافة وكانت رسالتها التنويرية حمل لواء التثقيف والاغتراف من كنوز الثقافة العربية والإسلامية والأجنبية. كان يملك تفكيرنا ويسيطر على عقولنا الهمّ الوطني الذي نعالجه بإخلاص ورغبة في إيصال تلك الرسالة إلى القارئ، وإيصال صوت القارئ إلى المسؤول، فكم خضع بعضنا للمساءلة والتحقيق، وكم تعرّض للعقاب دون تراجع عن الهدف الذي صمّمه كل إنسان لنفسه وهو مؤمن بسمو رسالته الوطنية، ثم حصل ذلك الانفتاح العظيم على دنيا الإعلام فتحوّلت الصحافة من رسالة ذات قيمة ثقافية إلى صحافة خبر وصورة بعد أن أخذت كبرى المجلات الثقافية (مجلات الثقافة والأدب والرأي) تسقط الواحدة تلو الأخرى. في ذلك الوقت لم نكن ننظر للصحافة كقيمة مادية بقدر ما هي قيمة وطنية ذات شعار محدّد هو أن للصحافة رسالة هادفة جماعها الاهتمام بالثقافة ونشرها وتوعية المواطن (القارئ) بما تحتويه مستودعات العلوم العربية والأجنبية من نفائس حتى يستطيع أن يكون مثقفاً عالماً بما حوله محافظاً على لغته التي هي لغة القرآن الكريم ومفتاح العقيدة الإسلامية وما استجد في العالم من نظريات أدبية يتلقفها القارئ بإخلاص وتفانٍ حُباً في الاستزادة والعمل على نشرها في محيطه بالوسائل المتاحة ونحن العاملين في هذا الميدان، كان يملك تفكيرنا ويسيطر على عقولنا الهمّ الوطني الذي نعالجه بإخلاص ورغبة في إيصال تلك الرسالة إلى القارئ، وإيصال صوت القارئ إلى المسؤول.. فكم خضع بعضنا للمساءلة والتحقيق، وكم تعرّض للعقاب دون تراجع عن الهدف الذي صمّمه كل إنسان لنفسه وهو مؤمن بسمو رسالته الوطنية، ثم حصل ذلك الانفتاح العظيم على دنيا الإعلام فتحوّلت الصحافة من رسالة ذات قيمة ثقافية إلى صحافة خبر وصورة بعد أن أخذت كبرى المجلات الثقافية (مجلات الثقافة والأدب والرأي) تسقط الواحدة تلو الأخرى الرسالة، الثقافة، الكاتب المصري، الكتاب، الإيمان، البعثة، الأديب، العرفان، لبنان، الهدف، الغرى، العراق القلم الجديد، الأردن، صوت البحرين، البحرين.. إلى جانب ما سقط من تلك المجلات في تونس والمغرب. وسيطرت صحافة الخبر بواسطة الجرائد اليومية والقنوات الفضائية وأجهزة التواصل الاجتماعي على الساحة وأصبح الهمّ الثقافي محصوراً بين جدران الأندية الأدبية ومراكز الثقافة أو في البحوث الجامعية التي يتوجّه أصحابها إلى معالجة بعض القضايا الأدبية.. نعم يا سيدي وأستاذي عبدالفتاح لقد نكأت جرحاً أشرف على الاندمال، فإذا بك توقظ لديّ ذكريات كانت في طريقها إلى التلاشي والنسيان بفعل الزمن وتقلباته، وزاد من همومي أن كتابك (ألف صفحة وصفحة) كان حاشداً حافلاً بعشرات الرموز الثقافية والوجوه الفكرية التي اختفت من الوجوه ممن كانوا مُمسكين بزمام الحياة الثقافة في الوطن العربي ممن يسرني أن أشير إليهم أو بعضهم حسب الإمكان في الحلقة القادمة من هذه الزاوية.