الأصل هو أن يكتب الكاتب بلغته الأم لأنه أكثر معرفة بها وأكثر التصاقا وقربا منها فهي اللغة التي يحياها ويفكر بها ويتنفسها. ينبغي أن نشير هنا إلى أن اللغة الأم ليست مرادفة بالضرورة للغة القومية للكاتب. فقد ينشأ كاتب ما في بيئة وفي محيط اجتماعي وتعليمي لا يتيح له سوى تعلم لغة أخرى غير لغة قومه الأصلية. وبالتالي تتحول تلك اللغة الأخرى الغريبة عنه كما هو مفترض إلى لغة أم قد لا يعرف سواها. هذا الصنف من الكتاب لا يعنينا هنا وهو خارج دائرة التساؤلات التي نطرحها. ما يعنينا هنا هي تلك الفئة من الكتاب الذين يتحولون إلى الكتابة بلغة أخرى غير لغتهم الأولى حصرا. هل يعمد أولئك الكتاب إلى ذلك للوصول إلى قاعدة أكبر ودائرة أوسع من القراء والمتلقين؟ هل الدافع وراء ذلك هو أن يثبتوا للآخرين من أصحاب اللغة التي يتبنون الكتابة بها أنهم قادرون على الكتابة والتميز بلغتهم بل وربما التفوق عليهم. لعل هذه الفرضية تصح لدى الأفراد المنتمين إلى جماعات وإثنيات مهمشة ومستلبة الحقوق وربما خاضعة للهيمنة والاستعمار من قبل قوى وقوميات أكثر قوة وأظهر سلطة فتكون الكتابة بلغة الآخر المهيمن في هذه الحالة نوعا من الانتقام وربما الغزو الثقافي المعاكس والانتصار الرمزي للذات ضد ذلك الآخر باعتبار أن اللغة دائما ما تكون أحد أوجه الهوية الأبرز التي تكون مدارا للتفاخر والزهو والاعتداد لدى أصحاب كل لغة. هل يرتبط الأمر بهامش الحرية الأوسع الذي يستشعره الكاتب حين يكتب بلغة غير لغته حيث يتخفف إلى حد كبير وربما يتخلص تماما من قيود المحرمات والمحظورات التي تفرضها عليه لغة قومههل يرتبط الأمر بهامش الحرية الأوسع الذي يستشعره الكاتب حين يكتب بلغة غير لغته حيث يتخفف إلى حد كبير وربما يتخلص تماما من قيود المحرمات والمحظورات التي تفرضها عليه لغة قومه التي قد ترتبط بقيم وأعراف لا تتسامح مع التعبير الذي يذهب إلى المدى الأبعد في ممارسة حريته دون أن يحد من ذلك أو يقف في طريقه الكوابح والمعوقات والرقابة القسرية التي لا يتمكن الكاتب من مغالبتها حين يكتب بلغته الأصلية. قد لا يكون هناك سبيل إلى التيقن والجزم بالسبب الرئيسي والحقيقي وراء تلك الظاهرة وعلى الأرجح فإن الأسباب تتفاوت وتختلف من حالة إلى حالة أخرى ومن شخص إلى آخر بتفاوت واختلاف الظروف التي خضعوا أو اخضعوا لها وإن كنت ممن يميلون إلى رجحان كفة السبب الأخير فيما يرتبط بالكتاب العرب والمسلمين الذين يهاجرون طوعا إلى منفى لغة الآخر لأنهم يجدون فيه من الحرية ما يفوق بما لا يقاس ما يمكن أن يجدوه في وطن لغتهم الأم.