يبدو ان مصالح الشرق والغرب قد تطابقت اخيراً ويعتبر المشهد الليبي دليلاً واضحاً على ذلك. أنشئ حلف النيتو في اعقاب الحرب العالمية الثانية لمواجهة الخطر الشيوعي الذي اكتسح الكرة الارضية في القرن العشرين. وقد كان حلف وارسو المكافئ الند لحلف النيتو. وبانهيار الشيوعية انهار حلفها وبقي النيتو متسيّداً الجانب العسكري للسياسة الدولية التي اصبح فيها الغرب ممثلاً في الولاياتالمتحدة، الآمر الناهي في السياسة الدولية. لقد ارتبط النيتو في اذهان العرب والمسلمين عموماً بالظلم والجور والانحياز للآخر، والانتقائية في اختيار الاصدقاء والاعداء وبكل المفردات التي تخالج اصحاب الحق في مواجهتهم لقوى جبارة لا يستطيعون مقاومتها عسكرياً ولا التفاهم مع اصحابها سياسياً.. فها هو النيتو قد استباح ارض افغانستان ويناوش عدداً من الدول الاسلامية تحت ذرائع شتى وربما كان شعار «الحرب على الارهاب» عنوانها العريض. النيتو ليس سوى الذراع العسكرية للغرب المنتصر، ولأن الحرب هي ممارسة للسياسة بطريقة اخرى يصبح النيتو اداة سياسية في المقام الاول. ولأنه لا ثابت في السياسة فقد تطابقت وجهات النظر والمصالح بين العرب وبين النيتو في ليبيا في سابقة فريدة في العمل السياسي الدولي. وسوف يذكر التاريخ انه لو تأخر النيتو بضع ساعات فقط عن نجدة ثوار ليبيا وقد تجمّعوا في ساحة الحرية في بنغازي بعد تراجعهم في زحفهم الاول نحو الغرب لما كتب النصر للشعب الليبي في انتصار ثورته. لقد كانت تلك السويعات حاسمة في مسيرة الثورة في ليبيا. لقد كانت ساحة الحرية في بنغازي معقل الثوار ولو تم القضاء عليها من قبل القذافي وكتائبه لكانت الاحداث في ليبيا قد اتخذت منحى آخر. غير انه لم يكن من الممكن للنيتو هذا التدخل الحاسم في الشأن الليبي لولا مباركة الجامعة العربية التي مهّدت الطريق للنيتو لكي يأخذ على عاتقه مهمة انقاذ الشعب الليبي من حاكمه.. وهنا يجد المرء نفسه امام تساؤل مشروع. لماذا النيتو؟ واين الجامعة العربية؟ واين ذراعها العسكرية؟ واين منظمة الدفاع العربي المشترك؟ واين محكمتها المزمعة؟ واين سوقها المشتركة؟ وأين واين....؟ اسئلة كثيرة تراود المرء حيال ما جرى ويجري منذ عقود على الساحة العربية من اقصاها الى اقصاها. غير ان العالم العربي من الداخل وكما اثبتت احداث ليبيا ومن قبلها مصر وتونس يموج بكل مظاهر الحياة. وها هي سوريا الآن يتكرر فيها المشهد ذاته في ليبيا.. وهنا ومع كل نازلة تحل بالعرب يعلو الصوت بين حل عربي او دولي.. عسكري او سلمي، وبينما الكل يتحدث يستمر سقوط الابرياء لا لشيء سوى مطالبتهم بحياة كريمة.. هنا يغيب تماماً العمل السياسي العربي ليفسح المجال للآخر لكي يقول كلمته.يتأكد لمراقب الاحداث دولياً ان العرب في مركز صنع القرار الدولي وبالرغم من ذلك فهم لا يملكون من زمام امرهم شيئاً. فلو كانت هذه المؤسسات فاعلة بما يكفي لما تمت الاستعانة بالنيتو في المقام الاول للقيام بهذا الدور ولكان اهل الميت اولى بدفنه. وها هي محكمة الجنايات الدولية يبدو وكأنها قد اقيمت للعرب الذين يبدو واضحاً ان افتقارهم الى العمل الجماعي السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي وعلى كل الاصعدة كلفهم وما زال يكلفهم الكثير. يبدو ان العالم العربي قد اكتفى من وجوده في العالم بتثبيت موقعه على الخريطة الجغرافية.. العالم العربي لبقية شعوب الارض هو حقيقة جغرافية فقط.. الزمن في العالم العربي ثابت لا يتحرك مثله مثل مشاهد رماله.. العالم العربي اصبح ساحة للحروب والنزاعات ومع ذلك لا يتغيّر فيه شيء. تضرب المجاعة طرفه الجنوبي فلا يحرك ساكناً. منظمة التعاون الاسلامي والعرب منها بمنزلة القلب يبدو انها منظمة بروتوكولية او ربما ثقافية لا يبدو وكأن الاحداث تؤثر فيها وربما اتى تغيير اسمها اخيراً، لعل ذلك يحدث امراً. هكذا يبدو العالم العربي لراصده من الخارج. انه ساكن، ثابت، ازلي، مثله مثل صحرائه مترامية الاطراف حيث يتوقف الزمن ومعه الانسان او يكاد. غير ان العالم العربي من الداخل وكما اثبتت احداث ليبيا ومن قبلها مصر وتونس يموج بكل مظاهر الحياة. وها هي سوريا الآن يتكرر فيها المشهد ذاته في ليبيا. وهنا ومع كل نازلة تحل بالعرب يعلو الصوت بين حل عربي او دولي عسكري او سلمي، وبينما الكل يتحدث، يستمر سقوط الابرياء لا لشيء سوى مطالبتهم بحياة كريمة. هنا يغيب تماماً العمل السياسي العربي ليفسح المجال للآخر لكي يقول كلمته.. وها هي المعارضة السورية لا يمكن للمحايد إلا ان يشفق عليها لضعفها.. لقد الغى نظام الحزب الواحد كل امكانية لتطوّر معارضة صحية تعالج أي خلل محتمل في النظام وتصحّحه من اجل بقائه قبل كل شيء في سدة الحكم اولاً ومن اجل الشعب ذاته ثانياً. ولأن الحياة الانسانية كريمة تتجاوز الايديولوجيا والوصاية والتعصّب وكل شيء آخر، عندها تصبح الاستعانة بالنيتو او أي مؤسسة دولية اخرى امراً مرحبّاً به. هذا ما يرجّحه الحق والتاريخ والمنطق. [email protected]