يحتاج الطفل الرضيع منذ ولادته وحتى إتمامه عامين كاملين الرضاعة الطبيعية، والجوع وحده، هو ما يجعله مقبلاً على الرضاعة، بيد أنّه سرعان ما يعتاد على النوم لساعات أطول وتنضج لديه ساعته البيولوجية، ويستقرّ هذا الروتين معه. لكن في بعض الحالات الصعبة، لا يكون الجوع هو سبب الاستيقاظ، ولا يكون الطفل رضيعاً، فيقع الأهل في حيرة من أمرهم، إزاء معالجة الموضوع، وتبدأ الأخطاء والهفوات من دون معرفة السبب الرئيسي ومحاولة حلّه! فهناك أطفال يستيقظون في منتصف الليل باكين، صارخين، قلقين، والأهل يحاولون تهدئتهم وإعادتهم إلى النوم، وقد يستغرق الأمر وقتاً وعناءً، فينعكس ذلك سلباً على نوعية نوم الصغار. وهناك أطفال لا ينامون ليلاً، وآخرون يصابون بالقلق، أو يبكون، أو يرفضون النوم بمفردهم، وهي حالات تسبّب توتراً عند الأهل، وتمنعهم من مزاولة نشاطهم النهاريّ بسبب تدهور نوعية النوم، وانتقاص كميّته ليلاً. فماذا يحصل؟! تشرح الدكتورة ساندرا صبّاغ، اختصاصية في أمراض الدماغ والجهاز العصبيّ عند الأطفال، ماهية هذه الاضطرابات وأسبابها المباشرة وغير المباشرة. كما يتكلّم الدكتور غسّان حميمص، اختصاصي في أمراض الدماغ والجهاز العصبيّ عند الأطفال، عن العلاج وطريقة التعامل السليمة مع الموضوع. ويناقش الطبيبان اضطرابات واضحة المعالم، تمنع الطفل من التمتع بنوم هانئ وهادئ وكامل خلال الليل. لعلّ المشكلة الأبرز التي تظهر للعيان هي بكلّ بساطة الاستيقاظ المتكرّر عند الطفل. وربّما ظننا أنه لا يشعر بالنعاس أو يريد اللعب أو الأكل أو أنه مصدر إزعاج وطبعه قلق! لكن هذه المقولات عارية تماماً عن الصحّة. فالاضطرابات المتكرّرة هي نتيجة مشكلة قد تكون طبيّة صحيّة، وتستوجب العلاج الدوائي أو سواه. وهي لا تمرّ مرور الكرام وتزول من تلقائها. اضطرابات النوم وترى الدكتورة صبّاغ أنّ «اضطرابات النوم هي أيّ خلل يحصل في طريقة النوم عند الطفل، أكان ذلك يتجسّد في حركة مفرطة أو كلام أو مشي أثناء النوم، أو قلق في مراحل عدّة أثناء النوم أو عند الانتقال من مرحلة إلى أخرى. بمعنى آخر، لهذه الاضطرابات انعكاسات سلبية على نوعيّة النوم وكميّته، وتؤثّر بالتالي على الطفل وراحته، وحتى على الأهل وروتينهم. النوم مقسّم إلى مراحل، تختلف مدّة كلّ واحدة منها حسب سنّ الشخص. وأبرز مرحلتين كبيرتين هما مرحلة النوم المتقلّب حيث تكون حركة العين السريعة، ومرحلة حالة النوم العميق، حيث لا كلام ولا حركة ولا أحلام. وتؤكّد الدكتورة صبّاغ أنّ لا سنّ محدّدة مشتركة لجميع الأطفال للتوصّل إلى النوم ليلة كاملة دون استيقاظ متكرّر. فقد تنضج الساعة البيولوجية التي توقّّت الوعي والنوم ببلوغ الأربعين يوماً، أو تستغرق شهوراً أطول. أسباب الاضطراب وتفسّر الدكتورة صبّاغ: تختلف الأسباب باختلاف الأطفال، ولكن النتيجة واحدة، وهي ذات أعراض مشتركة: استيقاظ متكرّر، وربّما بكاء. أمّا أبرز الأسباب فهي إمّا وراثيّة من إحدى العائلتين، أو تكوينية وعائدة إلى طبع الطفل، أو نفسية، أو بسبب نوعية ساعات النهار. فالليل نتيجة النهار. وعندما يكون الطفل خمولاً ونائماً طوال اليوم، فلا يكون قد صرف طاقة، وبالتالي لا حاجة له إلى النوم لتعويضها. ويمكن إعادة أسباب الاستيقاظ المتكرّر عند الأطفال إلى طريقة الأهل الخاطئة في التعامل معهم، من حيث إطعامهم الحليب أثناء النوم، وخلال الليل، وهو مرفوض بعد سنّ الستة أشهر، ومن حيث تربيتهم على عادات النوم الخاطئة، في سرير الأهل أو على التلفزيون، أو في حضن الأم. وهذا يعني تغيير الإطار الثابت الذي يجب أن ينام فيه الطفل كي لا يخاف إذا أستيقظ. اضطرابات أخرى ويقول الدكتور حميمص: «هناك اضطرابات أخرى لها أعراض جسدية حسيّة غير مرغوبة، وذلك أثناء النوم، مثل الكلام أو المشي أو الحركة الدائمة أو الرعب الليلي والصراخ والهلوسة والكوابيس. وغالباً ما يكون الطفل في حالة ما بين الوعي واللاوعي، فلا يُدرك ماذا يفعل، ولا يتذكّر ذلك صباحاً، ولو ظننا أنه مستيقظ، وعيناه مفتوحتان. عندما تتكرّر هذه الحالات مراراً وتكراراً، يمكن الكلام عن اضطراب في النوم. قبل سنّ السنتين، قد يستيقظ الطفل باكياً، طالباً وجود الأهل. وبعد هذه السنّ، يصبح الاستيقاظ بمثابة اطمئنان إلى المحيط الطبيعي فقط. مع العلم أنّ كلّ إنسان يستيقظ بين مراحل النوم، لكنه يتقلّب في السرير فحسب، ويعاود النوم، من غير أن يبلغ مرحلة الوعي التام. كما تجدر الإشارة، حسب الدكتور حميمص إلى وجود حالات صحيّة وأسباب طبيّة بحتة تسبّب اضطرابات في النوم، ولعلّ أبرزها الكهرباء في الرأس أو أمراض في الجهاز العصبيّ. ويبقى العامل النفسي ذا تأثير كبير أيضاً. فالطفل المرتاح والفرح والذي يشعر بالعطف والحنان لا يكون قلقاً أو متوتراً أو مكبوتاً في النهار، فينعكس ذلك نوماً هانئاً في الليل. والعكس صحيح بالنسبة إلى الطفل التعس والحزين والمتوتر والمحروم من عطف الأهل والمفتقد للحنان.