ينتظر المسلمون حول العالم في كل عام شهر رمضان المبارك الذي يهل علينا هلاله بعد أيام قلائل إن شاء الله بالأمن والأمان والسلامة والإسلام، لكن الخلاف والجدل حول تحديد بداية هذا الشهر الفضيل يتجدد كل عام ويتوزع ما بين الفقيه والفلكي والسياسي . والحديث عن توحيد رؤية الهلال مشكلةٌ موسميةٌ تطل برأسها على المسلمين كل عام، ويظل استطلاع هلال رمضان مشكلة كل عام، ومن هنا تأتي الدعوة لاعتماد توقيت مكة منبرا لتحديد مطلع هلال رمضان وتوحيد الصف الإسلامي باعتبارها صاحبة الميقات الوحيد في تحديد وقفة عرفات. « اليوم « استطلعت آراء عدد من العلماء حول هذا الموضوع. في البداية دعا مفتي مصر السابق الدكتور علي جمعة إلى ضرورة تعاون فقهاء الشريعة الإسلامية مع علماء الفلك والأرصاد الجوية لتحديد ميلاد هلال شهر رمضان، مؤكدا أنه إذا كان المسلمون مطالبين شرعا بالصوم وفقا لرؤية هلال رمضان، أن الرؤية الشرعية هي الأصل في إعلان بداية الشهر المبارك مصداقا لقول الله عز وجل ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه)، وما روي عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم (لا تصوموا حتى تروه)، محذرا من مغبة مخالفة هذه الرؤية وتداعياتها السلبية على وحدة الصف الإسلامي لأبناء البلد الواحد وغرس بذور الفرقة بينهم. لكن من الخطأ التوقف عند المعنى الحرفي للرؤية وقصرها على الرؤية البصرية حسب، في ظل التقدم العلمي الذي حققته البشرية ولا يتصادم مع الشريعة، حيث يمكن أن تتم الرؤية من خلال الاعتماد على الأقمار الصناعية والمراصد والحسابات الفلكية اليقينية، والقرآن الكريم يشير لذلك في قوله تعالى ( الشمس والقمر بحسبان)، ومن إعجاز الحق جل شأنه أن الشمس والقمر يسيران بحساب دقيق لا يتقدم أي منهما على الآخر، معه نستطيع أن نحسب ميلاد الأهلة. وقال الأستاذ بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر الدكتور حشمت مفتي ،إن رؤية هلال شهر رمضان تثبت للجماعة، بحيث يستحيل تواطؤهم على الكذب، فإن لم تتيسر له هذه الجماعة ثبت برؤية شخصين عدلين، فإن لم يتيسر ذلك ورآه شخص واحد عدل جاز صيام المسلمين بناء على شهادته، فإذا ما تعذرت الرؤية بعد كل ذلك ، أكمل المسلمون عدة شعبان ثلاثين يوما، موضحا أن هذه الوسيلة كان يتم اللجوء إليها في الصدر الأول للإسلام، أما في عصرنا الحالي فإن التقدم العلمي يستطيع أن يقيس ميلاد الأهلة بشكل دقيق، ولا تعارض الشريعة الإسلامية الغراء الأخذ بالوسائل العصرية لخدمة الإسلام، فالدين الإسلامي يحث أتباعه على العلم ، وأن اللجوء للحسابات الفلكية يمكن أن تحل إشكالية الخلاف الجدلي كل عام حول تحديد مواعيد صيام المسلمين، ولتتوحد كلمتهم ويصوموا معا ويحتفلوا بالعيد معا، ليعطيهم قوة في عيون أعدائهم، الذين يستغلون هذا الخلاف للتشكيك في عقيدة المسلمين، وإظهارهم بمظهر المتشرذمين في عباداتهم الدينية وعدم اتفاقهم. رؤية هلال شهر رمضان تثبت للجماعة، بحيث يستحيل تواطؤهم على الكذب، فإن لم تتيسر له هذه الجماعة ثبت برؤية شخصين عدلين، فإن لم يتيسر ذلك ورآه شخص واحد عدل جاز صيام المسلمين بناء على شهادته، فإذا ما تعذرت الرؤية بعد كل ذلك ، أكمل المسلمون عدة شعبان ثلاثين يوما، يؤكد مفتي الديار المصرية الأسبق و صاحب مشروع القمر الإسلامي، الدكتور نصر فريد واصل على أهمية الفكرة التي من شأنها سد باب الخلافات بين الأقطار الإسلامية، وتوحيد صفوفهم، حيث ينطلق من مكة موعد تحديد هلال شهر رمضان، موضحا أن فكرة المشروع تقوم على أساس أن القمر يدور حول الأرض مرةً كل ساعة ونصف بمعدل 16 مرة في اليوم، وبالتالي فإن جميع الدول الإسلامية والعربية على مستوى العالم على اختلاف المواقيت والأزمنة تتفق أو تتلاقى في جزء كبير جداً من الليل، بمعنى أن ليلهم واحد، ونهارهم واحد مع اختلاف وقت بداية ونهاية الليل والنهار، وبالتالي فمن خلال الاستعانة بالقمر الصناعي الإسلامي تتمكن كل دولة إسلامية من استيضاح ظهور مطلع الهلال من عدمه، وبالتالي تحدد مواقيت صيامها، وعليه فإن تنفيذ مشروع القمر الصناعي الإسلامي سوف يغلق باب الخلافات التي تثور بين الدول الإسلامية، وتوحيد الرؤية الشرعية على مستوى دول العالم العربي والإسلام.
اختلاف رؤية الهلال يرجع اعتماده على 4 اتجاهات مختلفة من جانبه يؤكد أستاذ العلوم الفلكية والفضائية بمعهد البحوث الفلكية بالقاهرة الدكتور أسامة الدفراوي أن سبب اختلاف رؤية الهلال يرجع إلى اعتمادها على أربعة اتجاهات مختلفة مثلاً يعتمد الاتجاه الأول ، على الأخذ بالحساب الفلكي فقط لأنه مبني على علوم حسابية و فلكية و حقائق علمية ، و يعتمد الاتجاه الثاني ، على إعطاء فترة زمنية ما بين 15 إلى 20 دقيقة بعد غروب الشمس تسمى «مكث القمر»حتى يمكن رؤية هلال شهر رمضان لأن إضاءته تكون ضعيفة مقارنة بإضاءة الشمس و شفق الغروب ، أما الاتجاه الثالث فيعتمد على الحساب الفلكي كمدخل للرؤية الشرعية . و أضاف أن الرؤى الحسابية لتحديد مكان ميلاد و رصد القمر ، تعتمد على أن يكون غروب القمر بعد غروب الشمس و لو بثوان، و رغم ذلك فهناك اختلاف في اعتبارات الرؤية ، فمن الفقهاء من يعتد برؤية القمر و لو كانت لدقيقة بعد غروب الشمس ، بينما آخرون يرجحون أن تكون بعد دقائق أو ربع ساعة تأكيدًا للرؤية ، موضحا أن دار الإفتاء المصرية حسمت قضية الخلاف بأن اعتدت بالحسابات الفلكية التي توضح إمكانية أو عدم إمكانية الرؤية بالتعاون مع الدول العربية ، حتى إذا ما ظهر الهلال في إحدى الدول العربية أو الإسلامية ، فإننا باعتبارنا دولة نشترك معها في جزء من الليل نصوم ، و هناك أناس يؤمنون باختلاف المطالع ، أي أن بعض الدول تصوم منفردة حسب رؤيتها أو عدم رؤيتها للهلال. و يرى المفكر السياسي الدكتور سيد رشاد وكيل مؤسسي حزب البلد : أن التحديد لبدايات الأشهر القمرية يرتبط بخلافات فقهيَّة و فلكية و سياسية متعددة ، بعضها ما يزال غير قابل للحسم ، فاتخاذ موقف فقهي واحد يجمع عليه المسلمون يمكن أن يحسم النزاع الفقهي و الفلكي على أساس مراعاة مصالح المسلمين الكبرى ، و سدا للفراغ الذي يلعب فيه السياسي دون رقيب . أضاف أنه في ظل هذا الجدل يمكن للسياسي أن يحقق بعض الاختراقات ، و قد تم بالفعل في بعض الأوقات -وفق الرؤية الشعبية على الأقل– ليخرج بدء الصوم عن كونه جدلا فقهيا إلى أن يصبح لعبة سياسية ، تعكس إملاءات و رغبات الحاكم و استهانته بشعيرة الصوم ، كما تتحكم فيها حسابات العلاقات مع بعض دول الجوار ما ينظر إليه على أنه تفريق لوحدة المسلمين ، و لعل ما يؤكد البعد السياسي لتحديد بدء الصوم حرص عدد من العلماء المعاصرين على توحيد الصيام تأكيدا لوحدة المسلمين و صورتهم ، ونفيا لهذا الخلاف و إمكانية التلاعب به .
الحساب الفلكي أصبح قطعيا وعلما يقينيا صحيحا وتقول أستاذة علوم الفضاء بكلية العلوم بجامعة القاهرة والمشرفة على تصنيع القمر الصناعي الإسلامي الدكتورة ميرفت عوض: أنه تم الانتهاء من عمل نموذج للقمر وتم إرساله إلى هيئة الاستشعار عن بعد وهي الجهة المسئولة عن تنفيذ المشروع الذي تبلغ تكاليفه 5 ملايين دولار، مشيرة إلى أنه تم إرسال تقارير علمية حول أوجه الاستفادة من المشروع لممثلي 56 دولة إسلامية مشاركة في المشروع.أضافت إلى أنه عندما يرى مشروع القمر الصناعي الإسلامي النور ويخرج إلى حيز التنفيذ يمكن أن يقضي على الخلاف المحتدم بين البلدان الإسلامية والعربية حول تحديد بدايات الأهلة للأشهر القمرية. ومن جانبه يرى رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور أحمد عمر هاشم أنه لا يوجد ثمة خلاف بين الحساب الفلكي ورؤية الهلال بدليل أننا نقيم الصلوات الخمس يوميا بالحساب لافتا إلى وجود رأيين في هذه المسألة يجب ترجيح أحدهما،حيث يقول الرأي الأول أنه إذا رئي الهلال في بلد يشترك مع بلد آخر في جزء من الليل فيجب إتباع ذلك البلد والصيام مع أهله، والرأي الثاني يقول إنه لابد من كل شخص أن يرى الهلال كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وبالتالي فإننا نرجح الرأي الأول وذلك من أجل وحدة المسلمين في مناسباتهم الدينية وخاصة عيدي الفطر والأضحى وهذا ما يمكن أن يمهد لوحدة العالم الإسلامي . من جانبه يؤكد أستاذ علم الفلك بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية الدكتور مسلم شلتوت على أن الحساب الفلكي أصبح قطعيا وعلما يقينيا صحيحا والرؤية أصبحت ظنية وإذا غلب القطعي على الظني يؤخذ به، لافتا إلى أن هذا الرأي أخذ به علماء الفلك والشريعة في كثير من المؤتمرات الإسلامية التي عقدت. من جانبها تؤكد الأستاذة بكلية الدراسات الإسلامية بالأزهر الدكتورة عبير السيد ، أن تأخر ظهور مشروع القمر الاصطناعي الإسلامي للنور حتى الآن، يجعل توحيد رؤية هلال شهر رمضان المبارك بين الدول الإسلامية أمر مستبعد بسبب اختلاف المطالع. عند التأكد من دخول شهر الصوم وجب على المسلمين الصيام موضحة أنه منعا لحدوث بلبلة وحالة الشقاق التي يحدثها البعض كل عام بمخالفة أهل البلاد والصيام بناء على رؤية دولة أخرى بدعوى عدم صحة ودقة رؤية أهل العلم في البلاد، فإنه يجب على المسلمين شرعا أن يصوموا لرؤية بلدهم، وأنه لا يصح أن يصوم جزء من أهل البلد مع صيام بلد آخر عندما لا يتم رؤية الهلال في بلدهم، حيث يؤدي ذلك إلى انشقاق في البلد الواحد بعضهم يصوم قبل بعض ويحتفل بالعيد قبل الآخر، وكأنهما هلالين وعيدين، ولهذا انعكاسات سلبية على وحدة الأمة الواحدة في البلد الواحد. إكمال الثلاثين قال عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور طه أبوكريشة إنه عند التأكد من دخول شهر الصوم وجب على المسلمين الصيام، وذلك يكون إما برؤية الهلال ليلة الثلاثين من شعبان إذا كانت السماء صحوة وخالية مما يمنع الرؤية، أو بإكمال شعبان ثلاثين يوما إذا لم تتحقق رؤية الهلال ليلة الثلاثين، ودليل ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما)، وقد صام رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام تسعة رمضانات أكثرها غير تام وكان لا يأمر بالصوم إلا بعد رؤية هلاله على التحقق، أو شهادة الواحد العدل، فصامه مرة بشهادة إعرابي، ومرة بشهادة ابن عمرو، واكتفى بمجرد الأخبار، فإن لم ير ولم يشهد به أحد، أتم شعبان الثلاثين يومًا ثم صام.