تصرف الشركات الوطنية كأنها لا تحس بمسئوليتها تجاه المجتمع الذي سمح لها بممارسة أنشطتها بفاعلية كي تجني الأرباح، يحتاج إلى نقاش حقيقي وربما حوارات من أعلى مستويات الدولة والقطاع الخاص. كثيرون كتبوا عن الدور الضعيف أو (البارد) الذي تمارسه الشركات الوطنية تجاه المجتمع، وضعف المبادرات، وكأن شركاتنا تعاني غياب التخطيط في مجال العلاقات العامة ولم تسمع بمبدأ المسئولية الاجتماعية الذي ظهر منذ منتصف القرن الماضي..! هذا المبدأ تلتزم به الشركات في الدول المتقدمة، وكثير من الدول النامية دون تدخل حكومي فهو لكسب تأييد العملاء والجمهور العام لتحقيق النمو والاستقرار خاصة في وقت الأزمات التي تثيرها مشكلات الأسواق أو الإشاعات المغرضة وغير ذلك من مفاجآت، وهو ما استدعى تقليل حجم الإعلان التسويقي المباشر وزيادة الاستثمار في العلاقات العامة التي تحقق على المدىين المتوسط والطويل نتائج أكبر بكثير من سياسة التسويق ذي التأثيرالمباشر والمحدود. لكن الحديث يجب أن لا نتوقف عند وصف الحالة غير الصحية أو المتوترة التي تلخص العلاقة بين جمهور المواطنين والشركات الكبرى، وأسلوب صناعة وعرض قراراتها، خاصة تلك التي تمس الناس، وما ولدته من ردود الأفعال عدائية ومؤثرة مع تنامي فاعلية الاتصال الإلكتروني وتشكيل جماعات ضغط لم تعرفها الأسواق السعودية من قبل. على أي فإن بعض هذه الشركات رعت الدولة تأسيسها، وتسهم في رسم سياساتها، وتدعى أحياناً بالشركات (شبه الحكومية)، وتمارس مهام احتكارية مثل الكهرباء والشركات البترولية وغيرها، وبعضها يحصل على امتياز عال جداً يمكن يُعرف باحتكار القلة لا سيما شركات الاتصالات والإسمنت وربما الألبان وغيرها، حيث تمنح شركات محدودة تراخيص الاستثمار في مجال حيوي دون غيرها، وبالتالي تكون الدولة قدمت لتلك الشركات رعاية كبرى لمصالحها. أقترح أن تفتح الجهات المعنية بالأمر سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً حواراً حقيقيا مع تلك الشركات لمعرفة أسباب تنصلها عن مسئولياتها، وفي حال عدم استجابة تلك الشركات لنداءات المجتمع أرى أن تلزم بتخصيص نسبة من أرباحها لخدمة المجتمع مقابل الاستمرار في الحصول على المزايا ذات الخمسة نجوم.. وبالرغم من هذه الأفضلية لا تساهم تلك الشركات في تطوير المجتمع، ولا تشارك في اهتماماته بالشكل المطلوب، ولتفسير ذلك سأطرح عدة افتراضات لا يمكنني الجزم بأي منها: الاحتمال الأول أن بعض تلك الشركات ترى أن دعم الدولة لها غير مشروط ودائم وهي ليست بحاجة للقيام بأية أنشطة وتقديم خدمات للمجتمع، بالتالي لا يهمها انتقاداته، ولا تعتقد بأن لأبنائه قدرة على تنظيم حملات مقاطعة حقيقية، والتأثير على أرباحها لا على المدى القريب ولا على المدى البعيد. الاحتمال الثاني أن بعض تلك الشركات تأخذ دعماً كبيراً من الجهات الرسمية لكن سوقها المستهدف خارجي، فهي بالتالي تتعامل مع المجتمع كما تتعامل بنوك ال(offshore) التي تتخذ لها مقراً في دولة ما لكن عملياتها لأسواق خارجية، لذا فهي أيضا مرهونة باستمرار هذه المزايا، وستُضعف كثيراً خيار المنافسة داخلياً في حال أحدثت تغييرا في إستراتيجياتها أو تضرر السوق الخارجي، أو على أقل تقدير ستسهم تلك التصرفات في الإساءة لسمعتها لدى موظفيها وفي خارج البلاد، مع أن هذا النوع من الشركات يُلزم عادةً بشروط للمساهمة في المجتمع أو ضرائب ليحصل على مزايا خاصة في الدول الأخرى. الاحتمال الثالث أن بعض تلك الشركات لا تخطط على المدى البعيد فهي تنظر لحجم العمليات في هذه الفترة لتمتعها بالمزايا الاستثنائية في حين أنها تغذي يوماً بعد يوم العداء لها في داخل المجتمع، وتسير نحو العزلة وتفسح المجال للريادة لأي شركة جديدة قادمة للسوق تقدم نفسها كشركة مسؤولة وغير جشعة. الاحتمال الرابع أن بعض تلك الشركات لا يحس بالمشكلة، طالما لا تؤمن إدارتها بأهمية أنشطة وأدوار العلاقات العامة، ولا ضرورة قياس أو تشكيل الرأي العام بالرغم من أن هذه الوظيفة تعد الأكثر تأثيراً في الولاياتالمتحدة على سبيل المثال، وبذلك ستكون معرضة للاهتزاز على المدى البعيد أو السقوط في الأزمات الطارئة. على أي حال نحن بحاجة إلى دراسة رسمية شاملة لرصد سلوك الشركات الكبرى صاحبة الامتيازات الخاصة، واستقراء مدى تناسب مساهماتها في خدمة الوطن مع ما تحققه من أرباح طائلة وراء تلك المزايا. أخيراً أقترح أن تفتح الجهات المعنية بالأمر سياسياً واقتصادياً ومجتمعياً حواراً حقيقيا مع تلك الشركات لمعرفة أسباب تنصلها عن مسئولياتها، وفي حال عدم استجابة تلك الشركات لنداءات المجتمع أرى أن تلزم بتخصيص نسبة من أرباحها لخدمة المجتمع مقابل الاستمرار في الحصول على المزايا ذات الخمسة نجوم.. تحياتي،، [email protected]