"سأنتقم" كلمة رددها الناس فرادى وجماعات على مر التاريخ كلمة ظلت مسيطرة على العقول بقبضة حديدية فمنعتها من التنفس ومنعتها من التقدم وبنت لها أحلاما مفروشة بالدم أحيانا وبهدر الحياة وضياعها أحيانا أخرى في انتظار لحظة الانتقام والاستعداد لها. "سأنتقم"مفردة سحقت القدرة على خلق أجواء ايجابية على المستوى العام والخاص.. كل الحروب والفتن سبقتها هذه الكلمة وكل الضعف الفردي لانسان ما تكالبت عليه الهموم سبقته أيضا هذه الكلمة. عندما دمرت اليابان في الحرب العالمية.. لم تعد بناء نفسها لتنتقم بل عملت على استعادة قوتها ونشاطها وتطورت سريعا من اجل الإنسان الياباني وتحقق له النجاح والتميز واستمر البناء حتى صارت اليابان قوة منافسة في كل المجالات بالانسان والمصنع. يقول الاستاذ ابراهيم البليهي: "التركيز على محاكمة واذلال المستبدين المرحلين يستبقي الاذهان خاضعة لمنطق وثقافة وتفكير ما قبل الثورات فيجب التهيؤ لحياة جديدة ونسيان ما قبلها لان الالحاح في الانتقام يبقي الخلل". ان ما حدث مؤخرا في ميدان التحرير بمصر وما سمي بجمعة القصاص وما يحدث في شوارع مصر التي لم تستعد هدوءها بعد كله مسبوق بالرغبة في الانتقام و التشفي.. الشباب الذين سخروا طاقاتهم للاحتجاج عليهم أن يسخروها في البناء بدلا من الاستمرار في المحافظة على الخلل واستبقائه حاضرا بينهم. خروج مبارك من الحكم والقبض على بعض رجال الدولة لا يعني أن مصر الحياة يجب أن تظل تدور على دائرة التحرير كل يوم بمطلب جديد. ان ذلك الانتصار هو نهاية حقبة ما وكل نهاية هي نقطة بداية ويجب ان تكون البداية أقوى وأجمل وأكثر افادة من النهاية. المحاكمات آخذة طريقها في محاسبة ومعاقبة من أجرموا في حق وطنهم والإنسان فيه. فلماذا لا يلتفت الاخرون إلى المعالجة والتصحيح بدءا بانفسهم ونظرتهم للحياة و الأرض والتعامل معها بطريقة مختلفة عما كانت عليه ليحل السلام الذي يحتاجه الجميع يحتاجه من هو خلف القضبان ومن هو بعيد عنها.. تحتاجه الاجيال القادمة حتى لا يقولوا يوما ان الثورة سبب المصائب. مازال الوضع مرتبكا في مصر وفي تونس لانهم يصرون على الالتفات للخلف ولم يوجهوا انظارهم للأمام وللمستقبل ويرفضوا أن تسيطر عليهم فكرة الانتقام وتكبل العقول والقلوب والأيدي عن التفكير الايجابي والسعي وراء السلام والبناء من جديد. [email protected]