أزمة من يملكون القوة والنفوذ ، تبدأ من أنه مهما حاول العقلاء منهم ، ترقيع الأوضاع وتغطية النواقص والثغرات وحالات التباهي والاستعراض . ينفرد السفهاء منهم بمواقف متبجحة تُعري صلافة المواقف المستندة على القوة ، ومدى الحالة ( الانكشارية ) المتنكرة للواقعية ، وتُبرز الجهالة بمجمل تصرفاتهم . يساعد على ذلك ، اختفاء الضوابط لتنفلت الأمور ، وتصبح مواقفهم واهية ظالمة أحياناً . لهذا يقال عادة « خذوا أخبار القوم من سفهائهم ». هكذا تبقى أجندة القوة مشحونة دائماً بالتفوق . لذلك فإنه بمجال السياسة وتداولها على الصعيد العالمي بين الدول وفي حيز العلاقة بين الشعوب بمعطياتها الوقتية وآفاقها المستقبلية . يصبح أي شعب لا يحترم إرادة الشعوب الأخرى ، ويسعى للسيطرة والهيمنة على مقدرات الغير وينتقص من حقوق الآخر ( السيادة الوطنية والحقوق بالحرية والديمقراطية ) يبقى شعباً مسلوب الإرادة ... شعباً ليس حراً بالقدر الكافي والمتناسب مع ثقافة العصر ومخرجاته. مهما بلغ الاستعراض الداخلي ( أي داخل المجتمع الذي تسوده القوة ) فيما يتعلق بتطبيق الديمقراطية السياسية . ومهما بلغت الضمانات الدستورية بشأن الحرية بمختلف مفاهيمها لمكونات هذا المجتمع . إن دوافع هذه التوطئة يُشرعها تصرفات قوى وعناصر فاعلة ضمن الدوائر الأمريكية ، تعتبر تصرفات موجعة لنا . ففي المشهد السياسي العربي الراهن ،فإنه رغم ما حدث من ثورات سياسية بالمنطقة العربية ، بنكهة خاصة وطعم متميز ، بعد سبات شعبي طويل . بعضها لا زال حراكها الشعبي مستعراً في بعض المواقع . بينما أدى بعضها إلى سقوط قوى وأنظمة اعتمدت عليها السياسة الأمريكية بالمنطقة خلال الفترة السابقة . رغم كل هذا ، حدث مؤخراً في مواقع مختلفة ( ثلاث محطات سياسية ) متميزة ومن قوى فاعلة بالوسط الأمريكي ، بَسطت فهم شعوب المنطقة لمقاصد السياسة الأمريكية ومراميها ، على المستويين ( الحكومي والتشريعي ) تجاه منطقة الشرق الأوسط – باعتبار أن أمريكا اللاعب الرئيسي – والمتنفذ بالسياسة الدولية . وبنفس الوقت ، أبرزت المنحى العملي للتعامل الأمريكي مع قضايانا الحيوية والمصيرية ، غير مكترثة بحالة الضرر والأذى التي سوف تلحقها بنا هذه السياسة . إذا كان الموقف الأمريكي بمجمله تجاه النظام السوري معروفا ويطرح في كل الأوقات وبكل الوسائل وبالمكشوف . فما هو غير معروف للجميع - إذا كان ثمة موقف أمريكي جديد بهذا الشأن - طبيعة الموقف الأمريكي إزاء النظام البديل في سوريا في ظل الصراع العربي – الإسرائيلي ومستقبل الأراضي السورية المحتلة ( مرتفعات الجولان تحديداً ) وآفاق السلام بالمنطقة .وكما يبدو أن الآليات التي تعتمدها السياسة الأمريكية في تعاملها الحالي مع قضايا المنطقة ، لازالت تفتقر إلى منهج التحديث والتأصيل بما يتناسب مع المشاريع السياسية الدولية الجديدة . وهذا دليل أنها لازالت أسيرة لمنهجها القديم إبان الحرب الباردة . ولكشف هذا الخطاب وهذا الخلل السياسي فيمكن تناول هذه المحطات على الشكل التالي: المحطة الأولى :بدأت بعد طرح ( الرئيس الأمريكي – أوباما ) مقترحاً سياسياً يتضمن قيام الدولة الفلسطينية ، بجانب دولة إسرائيل بحدود عام 1967م . مما أدى إلى حدوث ردة فعل واسعة من جهابذة اليمين الإسرائيلي وأنصارهم في أمريكا . وفي إطار التنسيق بين مرتكزات اللوبي الصهيوني وفاعلياته ، طرح أنصار إسرائيل داخل ( الكونجرس الأمريكي ) مشروعاً تشريعياً يرفض عودة إسرائيل إلى هذه الحدود ( لاحظوا مدى هذه البجاحة ؟ ! ) هكذا ، مؤسسة تعد ُ مصدر التشريع الأمريكي وممثل هذه الأمة ، يُشرع للاعتداء والعدوان واغتصاب أراضي الغير بالقوة والقهر . فأي إمة حرة تقبل مثل هذا؟ أما المحطة الثانية : فتتجلى بالمقال الذي خصت به السيدة ( كلينتون ) قائدة الدبلوماسية الأمريكية إحدى الصحف العربية ، حيث طرحت فيه رؤيتها حول ما يجري حالياً بسوريا وعلاقة إيران بذلك . فإذا كان الموقف الأمريكي بمجمله تجاه النظام السوري معروفا ويطرح في كل الأوقات وبكل الوسائل وبالمكشوف . فما هو غير معروف للجميع - إذا كان ثمة موقف أمريكي جديد بهذا الشأن - طبيعة الموقف الأمريكي إزاء النظام البديل في سوريا في ظل الصراع العربي – الإسرائيلي ومستقبل الأراضي السورية المحتلة ( مرتفعات الجولان تحديداً ) وآفاق السلام بالمنطقة . أرجو ألا يقال لنا « هذه الأمور تناقش في وقت لاحق « لأن هذا مجرد تسويف ، ويفترض بأي دولة بحجم أمريكا أن تمتلك مشروعاً متكاملاً ، خصوصاً أنه سبق وأن صدرت قرارات دولية تعالج مسألة الشرق الأوسط واشكالاتها وتطرح بدائل مختلفة . أما المحطة الثالثة : فحدثت عند زيارة وفد من ( الكونجرس الأمريكي ) للعراق مؤخراً . وباعتبار أن أعضاء هذا المجلس التشريعي يجوز لهم قول أي شيء . وهذا القول غير ملزم لحكومتهم . فقد تبجح بعض أعضاء الوفد بلغة المتفوق المنتصر بقول فاحش . فقد طالبوا الحكومة العراقية بتسديد ما أنفقته الحكومة الأمريكية ، أثناء مداهمة العراق ومرحلة ما بعد سقوط نظام صدام حسين . لقد أحسنت الحكومة العراقية التصرف عندما طلبت من الوفد الأمريكي مغادرة العراق ، باعتبارهم أشخاصا غير مرغوب بهم على الأراضي العراقية . هذه الصحوة الوطنية – ولو كانت متأخرة – تعتبر رسالة واضحة لمن يحاول التطاول على السيادة الوطنية . لذلك ( هالهولة – أي الزغروته – لسيادة الوطن ومقدرات الشعب ) ولعلها صحوة دائمة تشمل المناطق الأخرى بالعالم العربي ، ليطالبوا بكل الخيرات المنهوبة ، وتكاليف ما خربه العدوان الأجنبي في مراحل مختلفة . فهل سوف يتحقق ذلك ؟.