يدهمكَ الحزنُ وينشبُ فيكَ الوقتُ مخالبه، لا تعرفُ ماذا تكتبُ، تخشى من رعب بياض الورق المتحفز مثل النمر لينهشَ روحك، ما جدوى أن تكتب؟ ما جدوى الكلمات المنحوتة فوق صخور سيواريها الرملُ وتغمرها الأنواءُ وتمحو سحنتها الشمسُ، وما جدوى أن ترفعَ صوتك وتنادي في برية هذا العالم من لا يسمع صوتك؟، من لا يأبه إن غنيت ولا تعنيه دموعك، ما جدوى أن تنذرَ عمرك لسراب حروف لا تنقع غلتك الأزلية؟، لا تسمع إلا صوتك، لا تبصر بسوى عينيك، ولا تؤمن بطريق لا تنحته قدماك، ولا تأبه بمن ارتابوا فيك، وبمن أنشب في ظهرك مديته كي يدميكَ، تماسك، واسمُ على كل جراحاتك واهزمها ما جدوى أن تطوي عمرك في نسج ينكثه الموتُ بطرفة عين، ما جدوى أسئلة طيرت حمائمها لجهات الأرض الأربع كي تأتيك بخبر عن كُنه المجهول ولم ترجع؟ يا أنت تمهل! لا تقصص رؤياك على أحد إلاك!، ولا تتبع آثار القوم لكي لا تهلك، كي لا تدمي قدميك الأشواكُ، ولا تخدع بالثمر المعطوب العالق بالأغصان، فذاك سرابٌ محضٌ وخيالات تعرض للممسوس إذا ما أثقل جفنيه النومُ وأوشك أن يغدو أحداً آخر إياه، ويخرج من هذا العالم لعوالم أخرى ما وطئتها أقدام الأنس وما عثرت في مثل غرائبها عينان. لا تسمع إلا صوتك، لا تبصر بسوى عينيك، ولا تؤمن بطريق لا تنحته قدماك، ولا تأبه بمن ارتابوا فيك، وبمن أنشب في ظهرك مديته كي يدميكَ، تماسك، واسمُ على كل جراحاتك واهزمها: الظاهر منها والباطن والثائر منها والساكن والكاشف عن سحنته والكامن. يا أنت الموقد شمعته في بيداء العتمة تحت سياط الريح، ويا رجع الصوت المبحوح، سألتك - ولتصدقني القول - أتملك شيئاً تطوي كفيك عليه سوى الوهم لكي يؤنس روحك في وحشة هذا العالم؟