يأمل اللبنانيون أن يشهد قطاع السياحة في بلادهم انتعاشا أكبر هذا العام نظرا للاضطرابات التي شهدتها دول سياحية في المنطقة مثل مصر وتونس وسوريا، لكن الأرقام تظهر حتى الآن تدني عدد الزوار الذين دخلوا البلاد خلال الأشهر الأربعة الاولى من السنة بنسبة 15,5 بالمائة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، بحسب أرقام وزارة السياحة. مغارة جعيتا احد ابرز المعالم السياحية في لبنان (اليوم) وكان لبنان حقق أرقاما قياسية في القطاع السياحي خلال السنوات الثلاث الماضية. وفي 2010، استقبل أكثر من مليوني زائر، وهو رقم تاريخي حتى بالنسبة الى الفترة الذهبية للسياحة قبل الحرب الاهلية (1975-1990) واعتقد أصحاب الفنادق في لبنان أن السياح الذين سيترددون في الذهاب الى تونس ومصر ، ولا تزالان تعانيان صعوبات مرحلة الانتقال الديمقراطي، سيتوجهون الى لبنان. لكن ذلك لم يحصل. لم تقتصر تأثيرات الأحداث المتسارعة إقليميا والأزمة السياسية الداخلية على القطاع السياحي، بل إن عمليات البيع والشراء في القطاع العقاري تراجعت بنسبة 21 بالمائة ، وواردات الجمارك بنسبة 20 بالمائة، ما يؤشر إلى هشاشة وضع التجار حاليا في بلد يعتمد على الصادرات إلى حد بعيد. وقال رئيس نقابة أصحاب الفنادق في لبنان بيار الاشقر: إن «الحركة الفندقية تراجعت بنسبة 40 بالمائة خلال الأشهر الستة الأولى»، مضيفا «في بداية السنة، لم تتعد نسبة إشغال فنادق بيروت 35 بالمائة ، بعد أن ألغيت معظم الحجوزات». ويُسجل تدنّ حتى في نسبة السياح الخليجيين الذين يعتبر لبنان إجمالا وجهتهم الرئيسية للسفر خلال فصل الصيف، وتراجع واضح في حجوزاتهم عبر شركات الطيران المختلفة، بحسب ما أفاد عدد من وكالات السفر وشركة طيران الشرق الأوسط الوطنية. وقال نقيب أصحاب المطاعم بول العريس في حديث لرويترز قبل أيام : إن السياح القادمين من الخليج «يخشون أن يقفل مطار بيروت بسبب زعزعة الاستقرار لسبب أو لآخر. فلا يمكنهم السفر عن طريق سوريا، ولا يوجد طريق بحري للسفر من لبنان». يضاف إلى كل ذلك، أن شهر رمضان يصادف هذه السنة بداية شهر أغسطس، أي في أوج موسم الصيف، ويفضل الزوار العرب ملازمة بلدانهم إجمالا في شهر الصيام. ويقول العريس: «سيكون الوضع مأسويا» بالنسبة إلى الحركة السياحية خلال فصل الصيف، مضيفا أن «حجم إعمال المطاعم تراجع بنسبة أربعين في المائة، وقد أقفل حوالي عشرين مطعما ومؤسسة في وسط المدينة وفي حي الجميزة» اللذين يعتبران رمزا للحياة الليلية البيروتية. وأشار إلى «حصول فورة مطاعم خلال السنوات الماضية للتجاوب مع الطلب المتزايد، وقد بدأت هذه المطاعم اليوم تطرد عددا من موظفيها». وتقدر بعض المصادر في قطاع الفنادق الخسائر بملايين الدولارات. ولم تقتصر تأثيرات الأحداث المتسارعة إقليميا والأزمة السياسية الداخلية على القطاع السياحي، بل إن عمليات البيع والشراء في القطاع العقاري تراجعت بنسبة 21 بالمائة ، وواردات الجمارك بنسبة 20 بالمائة، ما يؤشر إلى هشاشة وضع التجار حاليا في بلد يعتمد على الصادرات إلى حد بعيد. وتراجعت قيمة التداولات في بورصة بيروت بنسبة 78 بالمائة حتى نهاية مايو الماضي . وكان لبنان سجل نسبة نمو قياسية في 2010 وصلت الى 7,5 بالمائة، لكن منذ بداية هذه السنة بدأت توقعات النمو بالتراجع، لتصل الى 2,5 بالمائة ، بحسب صندوق النقد الدولي. ويقول رئيس قسم الأبحاث والتحليل في بنك بيبلوس نسيب غبريل «هناك انقلاب في المعطيات: ثقة المستهلك تتراجع بسبب الأزمة السياسية، ما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد». ويضيف «الأعمال كلها في وضع المراوحة. البعض يفضلون عدم صرف أموالهم على شراء منزل من أجل الاحتفاظ بالسيولة». ويخشى الخبراء الاقتصاديون أن يؤدي انخفاض الواردات الذي يزيد من عجز الموازنة إلى زيادة حاجة الدولة إلى الاقتراض، علما أن ديون لبنان العامة تتجاوز حاليا الخمسين مليار دولار. كما أن غياب الإصلاحات والشلل الحكومي قد يؤديان إلى عودة حجم الدين العام بالنسبة إلى إجمالي الناتج الداخلي إلى الارتفاع، بعد أن كان تراجع من 180 بالمائة في 2006 إلى 135بالمائة في 2010. ويرى غبريل أن لبنان الذي يتمتع بوضع مصرفي متين ساعده في البقاء في منأى عن الأزمة المالية العالمية خلال السنوات الماضية، «هو في طور إضاعة فرصة ذهبية».