سعدت كثيرا بالالتقاء بالمختصين في الخدمة الاجتماعية والقضاة على طاولة الحوار والنقاش، بعد تباعد لا مبرر له لمدة طويلة جدا، وهو ما سيحدث هذا اليوم السبت بإذن الله تعالى في الرياض، في ملتقى إبداعي بعنوان: «دور الخدمة الاجتماعية في المحاكم الشرعية» الذي تنظمه الوزارة بالتعاون مع الجمعية السعودية للدراسات الاجتماعية في إطار المراحل العلمية لمشروع الملك عبد الله لتطوير مرفق القضاء. ولا غرابة في أن ينال الإصلاح جهاز القضاء بالغ الحساسية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله رعاه الله تعالى وهو العهد الذي تميز بالمشروعات العملاقة، في المجالات التعليمية والصناعية والاجتماعية، وهو ملك الشفافية فيما بينه وبين شعبه؛ التي بنت جسرا من الحب نحو التقدم والرقي. والملاحظ أن السلك القضائي بقي لمدة طويلة جدا دون تطوير، مع أن الحياة كلها تطورت، وبقي بعيدا عن التقنيات، مع أن التقنيات تداخلت مع لحظات الزمن، وأصبحت رهن إشارة أنامل الإنسان لتذلل له الصعب، وتقرب له البعيد، وتقلل من الجهد، وتوفر له المال، وتضبط له العمل، والعمل القضائي في أمس الحاجة إلى ذلك كله. وقد فرحت جدا بهذا المشروع الضخم، وآمل أن ينفذ بأعلى الإمكانات، ليستفيد منه القاضي والمواطن، وكل من هم في سلك القضاء وكتابة العدل. إن الملتقيات والندوات وورش العمل في كل التخصصات والمشروعات، محاضن للأفكار، ومناجم لبذور التقدم، والمهم هو أن تتم بالطرق العلمية الجادة، وأن تستقطب قمم الفن الذي تدور حوله، وأن يكون فيهم العالم والخبير والممارس، وجميل أن تضم المعارضين للفكرة حتى يحدثوا نوعا من الإثارة الذهنية، وأن يستحدثوا أفكارا خاصة بحماية المشروع، بدلا من إنزاله إلى الواقع قبل تحصينه، والاستعداد التام لاستمراره. كما ينبغي الحذر من أن تنتهي الأفكار المستولدة من هذه الورش المكلفة إلى الأدراج. إن القضاء في المملكة فريد من نوعه؛ لأنه يكاد يكون الوحيد في العالم الذي يستلهم كل قوانينه وأنظمته وتشريعاته من دستور المسلمين العظيم القرآن الكريم، وبذلك نفخر ، ونشكر ربنا على هذه النعمة، لكن ذلك لا يعني ألا نستفيد من مخرجات الأبحاث الحديثة في إدارة المؤسسات القضائية، فإن التمسك بالطرق التقليدية في إدارة أجهزة القضاء المختلفة، سيزيد ظواهر التأخر في القضايا، وتراكمها، وبخاصة مع قلة القضاة نسبة إلى الاحتياج، والمسافة البعيدة بين الواقع الأقل من عادي، وبين التنظيم الإداري الحديث، لكن الإصلاح بدأ، والمشروع سينجح بعون الله تعالى في تلافي ذلك كله، مادامت هناك إرادة قوية، ووفرة مالية، وتعاون بين جميع المعنيين. إن التطوير لا ينبغي أن يكون ردة فعل، كوننا ننتقد فلانا أو علانا، بل لأننا نحتاج إلى هذا التطوير. إن تجارب التعاون بين المختصين في المجال الاجتماعي والقضاء تؤكد أن هذا العمل سوف يقلل أكثر من نصف حالات الطلاق بإذن الله عز وجل ومعنى ذلك التخفيف من حالات نفسية وأمراض جسدية وجرائم الأحداث، ومن الزيادة المطردة في الأسر المحتاجة إلى جمعيات البر، ومن .. ماذا أقول؟ لقد تأخر هذا العمل كثيرا .. لكن لا بأس فلندرك ما تبقى قدر الاستطاعة. إن هذا التقارب بين الطرفين يمكن أن يرتقي بأسلوب تعامل القضاة والموظفين مع أصحاب المشكلات والمتهمين بوصفهم بشرا لهم حقوق الاحترام والتقدير حتى تثبت إدانة الجاني منهم، ويمكن أن يتدرب أصحاب الفضيلة على التخفيف من ضغوط العمل، وعلى مهارات الذكاء العاطفي وإدارة المشاعر، والعلم للجميع مهما علا وسما، رأى رجلٌ مع الإمام أحمد محبرة، فقال له : يا أبا عبد الله قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين، ومعك المحبرةُ تحملها، فقال : «مع المحبرة إلى المقبرة».