كانت إبداعاً.. لأني كُلّما أعَدت قراءة مَجموعَة القصص القصيرة جداً للكاتب السعودي حسن البَطران؛ لم أَمَل.. وتجَوّلْت مع رِمالها.. رِمال خاصة هي.. تتجَمّع في قصص أو أقاصيص قصيرة جداً.. مِثل الحَياة!.. وكل أقصوصة هي نبضة.. بالِغة العُمْق.. تصل إلى وجدان وعقل المُتلَقي بسهولة.. بداية من الإهداء إلى الجدة؛ عرفاناً إلى الأصل.. ومُروراً بأبواب مُتكامِلَة.. كل باب مُقسّم إلى أقصوصتين بالغتي القصر أو أقصوصة واحدة قصيرة. غلاف المجموعة لكِني قبل أن أتجول مع القَص ونبضات المُعايشات والمَعاني؛ أتوقف عند الغلاف.. ولوحة فنيّة مُبْدَعَة مُعَبّرَة للطِفل ريان حسن ابن الثلاث سنوات.. هو ريان حسن علي البطران.. ابن المؤلف.. هذا المؤلف الأصيل الذي بدأ بالإهداء والعرفان للجدة.. واستمَر مع إبداع الابن الصغير الفنان.. فهل هي صُدفة أن تبدأ الأقاصيص في الكتاب ب»رحيل»!.. «وَصَل مَكشوف الرأس.. الهواء يتلاعب بشعيراته المُتناثِرَة فوق صحراء رأسه..! ظل واقفاً أمام أسوار المُعتقل..! ورقة صفراء تصل إليه ارحل..! الوردة ذبلت وتطاير أريجها.. أمسك بيديه ورحل إلى حيث لا يدري..! «هل هو رحيل.. أم هو حياة ودنيا؟!.. ثم أقصوصة «شرود».. مع ألف مُستحيل.. مَحبس من الألماس يغطيه الماء الذي يتساقط من أعلى الجبل.. يحاول أخذه.. لا يستطيع.. قوة هائلة تمنعه..». هي نهاية بعد استحالة الاجتماع.. ونهاية باب في الكتاب.. ثم باب آخر مع أقصوصة «حقيبة «.. «يحمل معه حقيبة صفراء الفصل غايته بعد أن سمع قرع الجرس.. الطَلَبَة في حالَة تهَيّؤ للدَرس.. بَدَأ الشرح.. فتح حقيبته الصفراء.. ...» وتتوالى الأقاصيص والأبواب.. «بصمة».. ثم «شلل»؛ ونمضي مع القهر في أقصوصة «عاصِفة»؛ ويستمِر القَص الموجز بعُمق.. أقصوصات تتكامَل في ذاتها.. احتمال لخصوصيتها.. لكن الكاتب عندما يقص عن أو مِن أحداث عامة؛ فإن الأقصوصة لا تتكامَل إلا بمَرجعِيّة الواقِع... مثل «الغسيل».. «وقف فجأة وسط الزِحام ورفع حذاءه، الجميع صفق له بحرارة..!». فقط .. إذن يتحَتم للمُتابَعَة؛ مَرجعِيّة مُتابَعَة الواقِع.. هو إذن لا يتحدث إلى قارئ عادي.. لكنه يَفترِض مُتلقيا لأقصوصاته بخلفِيّة من الثقافة والإنسانِيّة والمُتابَعَة العامة.. وحَدا أدنى مُرتفعا من الذكاء الإنساني.. أما القارئ العادي؛ فليَخرُج من بين كلماته.. إنه لا يريده.. ولا يَتوَجّه إليه بالقصص والكلمات.. لا يقبل الضحالة.. ويسخر ويزدري الغش.. يقول في أقصوصة «سِرقة».. «يلتفِت يمنة ويسرة.. يسْتغفِل ضميره ويُخرِج ورقة صغيرة؛ ينقل ما بها إلى ورقة إجابته.. مَعلوماتها تاريخيّة.. وورقة أسئلته عِلْمِيّة..!». حسن البَطران كاتب يَغوص في أعماق الأصل والجدة والمُجتمَع والمَكان.. أقاصيصه تبعَث على حِوار الأفكار والتساؤلات.. يقول مع أقصوصة «وطن» الرابعة والتسعين والأخيرة: «طَلّ الأب على ابنه وهو يحمل أبروفة خارطة منزله الجديد، فوجده يرسم عَلَم دولته على بَدلته البيضاء باللون الأخضر..».