عندما يرحل الطيبون تتحول الأرض إلى اليباس.. تنتشر القسوة، يعم الأرجاء الذهول. هذا ما تبادر لذهني وأنا أقرأ خبر رحيل الإنسان عبدالعزيز الخويطر، وعندما أقول إنسان فإنني أركز على جزئية لمستها من قلب هذا الطيب قبل عدة سنوات.. لن أدخل في أتون فكره الإداري الطويل في خدمة بلاده ووطنه ومجتمعه، لأن هذه المهمة تحتاج لعمل سنوات للإلمام بإرثه الإداري والفكري، كذلك لن أدخل في تفاصيل إنجازاته العملية التي تعد على درجة عالية من الأهمية؛ لأننا نتحدث عن رجل عاصر خمسة من ملوك هذه البلاد الحبيبة، الملك سعود، الملك فيصل، الملك خالد، الملك فهد -رحمهم الله جميعا- حتى هذا العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، «حفظه الله»، لكنني أتحدث عن قلب عبدالعزيز الخويطر، هذا القلب الذي توقف يوم الأحد 26 رجب 1435 ه وإعلان الديوان الملكي رحيله إلى الدار الآخرة دار المستقر -رحمه الله رحمة واسعة- أتحدث عن قلب فتح لي ضوءا من الأمل على مستقبل كنت أشاهده باهتا يحيط بوجودي المتعثر.. قلب آثر إلا أن يقف مع إنسان ضعيف في مقتبل العمر لا يملك خبرات حياتية ولا حتى من ينصح ويوجه، فكان قلب عبدالعزيز الخويطر.. حدث هذا عندما كان رحمه الله يتقلد وزارة المعارف، وبعد أن أغلقت الأبواب في وجهي وأنا أحاول إكمال تعليمي الثانوي في الصف الثاني، ورفض مسئولو المعادلات في الوزارة إجازة شهادة الأول ثانوي، لأن الجهة التي منحتني ليس من منهجها التعليمي الرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرها من المواد العلمية، مراجعات ومعاملات واستجداءات. حتى أراد الله أن التقي بهذا الإنسان الذي استقبلني في مكتبه، وأتذكر انه كان أمامه جبل من المعاملات وهو غاطس بينها ويبتسم في وجهي وأنا أتحدث وأشكو له.. لقد أكملت تعليمي وتم نقلي للصف الثاني الثانوي أدبي، ولكن قبل مغادرتي مكتبه أوصاني قائلا: يا بني لا توقف حتى بعد الجامعة!.. إنها نفس الوصية التي كان أبي رحمه الله يرددها علي.. غادرت مكتبه متسلحا بقرار وتوصية باقية في ملفي التعليمي حتى اليوم، تقول: يموت الأخيار لكن نور قلوبهم وطيبتهم تبقى ماثلة تعلمنا أن الحياة رغم قسوتها فإن من بين ثناياها تظهر ورود من الضياء والآمال والخير على يد أناس يصطفيهم الله (عز وجل) لينطبق عليهم قول الرسول الكريم: «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس» ولولا هؤلاء -رغم قلتهم- لتحولت الكرة الأرضية للظلام الدامس.. في الحقيقة أنا لا أكتب رثاء لهذا الإنسان الطيب المفكر -رحمه الله رحمة واسعة- لكنني أرثي حال بعض من يتقلد مناصب إدارية فيتسلح بالقسوة وينفث الغضب في أوجه الناس، ويغلق ألف باب وباب، وهو مكلف من ولي الأمر بالسهر على راحة كل محتاج ومساعدة كل مكلوم.. اسأل الله أن يتغمد عبدالعزيز الخويطر برحمته وأن يغفر له ويفتح له أبواب النعيم في دار المستقر.