ليلة البارحة كنت في أحد مجمعات المطاعم وبالكاد وجدت موقفا للسيارة وقبل ان أفتح باب السيارة هجم علي بعض العاملين بالمطاعم يعرضون علي قائمة بالأصناف التي يروجون لها. شكرتهم وذهبت في سبيلي، وعند عودتي وجدت أكثر من سيارة قد أغلقت الطريق في منظر يوحي بالفوضى واللامبالاة، وبعد معاناة ومشقة خرجت سالما معافى !! تساءلت: ألهذه الدرجة وصل بنا الحال لنتزاحم ونحدث فوضى وكأن المطاعم توزع الأكل بالمجان؟ المنظر قد يكون مألوفا للجميع، لكنه في واقع الحال يعكس حالة أكثر الأسر التي تركت الطبخ المنزلي بحجة عدم التفرغ أو كنوع من تغيير الروتين - على حد زعمهم - حتى أصبح الأكل من المطاعم هو الأصل والطبخ المنزلي هو الاستثناء. بالطبع لا نلوم المرأة العاملة التي تضطر للمطاعم، لكن اللوم يقع على المرأة غير العاملة التي أشغلت زوجها بزيادة مساحة الطبخ وتأثيثه بكل أصناف الأدوات والمعدات والأفران وزادت على ذلك بإضافة مطبخ للمقليات والمشويات وزوايا متنوعة للمعجنات والعصائر وأحدث ما توصلت اليه بيوت الطبخ العالمية والنتيجة بيض مسلوق أو مقلي في زاوية من زوايا المطبخ !! هذا هو واقع كثير من الأسر مع كل أسف! كم من الآباء يريد الجلوس مع أبنائه لتناول وجبة الإفطار أو الغداء أو العشاء أو حتى وجبة خفيفة من إعداد واخراج أم الاولاد، لكن هيهات , الجميع منشغل بما هو أهم من رغبات الوالد، وقد يمر اليوم واليومان وهو لم يشاهد أحدا من أبنائه ! من المضحك المبكي ان عامل المطعم يعرف جيدا عنوان المنزل بكل دقة، وقد تصلك الوجبة قبل سيارة الطوارئ لا قدر الله !! اضطررت يوما للجلوس في أحد المجمعات وتحديدا في الدور الذي تكثر فيه مطاعم الوجبات السريعة والبطيئة وما لفت انتباهي هو تكدس الناس حول أحد المطاعم المشهورة جدا علما بأن ما يقدمه لا يختلف كثيرا عن البقية، لكن قد يكون السر في مكونات الوجبات التي يقدمها ولا نستبعد اضافة مواد جاذبة للزبائن وهو أمر غير مستبعد! صناعة الأطعمة وتجارتها أصبحت ثقافة تميز كثيرا من الشعوب، ولهذا نسمع عن البوفيه الإيطالي واليوناني والصيني والياباني وغيرها حتى ان بعض الدول تستخدم وسائل الضغط المختلفة لقبول مطاعمها خاصة في بعض الدول المتحفظة. وأذكر ان امريكا فتحت مطعمها المشهور في قلب موسكو بعد سقوط الاتحاد السوفييتي مباشرة، لكن فرنسا رفضت وجوده في محيط برج ايفل المشهور. هوس الأكل من المطاعم واقع فرضته ظروف الحياة المتسارعة، ورغم رفضه من الآباء، إلا أنهم يمارسونه كارهين، وهوس المطاعم له آثار جانبية لا يمكن تجاهلها أهمها وأولها الآثار الصحية. كما ان اعتماد الأسرة على أكل المطاعم نتج عنه جيل خامل متخم بالشحوم وأمهات تجهل أبجديات الطبخ. سألت احدى البنات المقبلة على الزواج: ما الطبخات التي تجيدينها؟ فقالت الشكشوكة ! قلت: هنيئا لزوجك بشكشوكتك !! للزوجة أقول: اذا وجدت زوجك يصر على أكل المطاعم فاعلمي ان طبخك لم يعجبه، وكما يقال: الطريق لقلب الرجل معدته.